Page 73 - كتاب تأبين حسنين ربيع
P. 73

‫بأن أبدى استعداده لتقديم كل ثروات وكنوز الأديار والكنائس بما فيها آنيتها وشمعداناتها الذهبية‬
‫والفضية للامبرايور على سبيل القر حتى يتمكن من تجنيد الجنود والاستعداد للحرب ضد‬
‫الفر ‪ .‬فتسلم هرقل تلك النفائس في سنة ‪620‬م وأرسلها إلى دار الضرب كي تسك عملات‬
‫جديدةإ‪1‬ر‪ .‬وإذا أمعنا النظر في هذا الأمر نجده يحدث لأول مرة في تاريخ الدولة البيزنطية أن تصبح‬
‫ثروات الكنيسة في خدمة الحرب وأصبح هذا عادة سارية فيما بعد‪ .‬بل يمكن القول إن كل القيادات‬
‫الكنسية والمنظمات الرهبانيةر فيما بعدر وجدت في هذا سابقة لاستخدام أموال الأديار والكنائس‬

                      ‫لحرب المسلمين على مدى القرون التالية سيما في عصر الحروب الصليبية‪.‬‬

‫شرع هرقل في رسم خططه الحربية وجند عددا ضخما من الجنود ودربهم لعدة أشهر وألقى‬
‫فيهم خطبة يشجعهم ويرفع روحهم المعنوية ويتعهد بالقتال إلى جانبهمر وراسل خان الآفار في‬
‫الشمالر حتى يدفع خطرهر فأرسل إليه عددا من الرهائن البارزين ومبلغا من المالإ‪2‬ر‪ .‬وبعد أن أكمل‬
‫استعداداته ذهب إلى كنيسة أياصوفيا في ابريل سنة ‪622‬م ليضفي على حربه الصبغة الدينية وجثا‬
‫بأملساركف اللابمنباراوأي موولنار‬  ‫اللهم لا تسلمنا لأعدائنا جزاء لآثامنا‬  ‫ربه بقوله و إ‬  ‫خاشعا مناجيا‬  ‫على ركبتيه‬
                                  ‫ميراثكر إ‪3‬ر‪ .‬وبعد الابتهال والتوسل‬     ‫الاعتداء على‬   ‫الأشرار عن‬     ‫الظفر لينك‬
‫بأيقونة المسيح واتخذها لواء له‪ .‬وبدأت الحرب في مشاعر دينية ملتهبة لم تعرف من قبل في دولة‬
                                  ‫الروم‪ .‬بل واعتبرت كأنها أول حرب صليبية في التاريخإ‪4‬ر‪.‬‬

‫وإذا تأملنا هذا التحول الذي حدث منذ أن تخلى هرقل عن قرار الفرار إلى أفريقيا سنة ‪620‬م‬
‫وحتى اكتمال استعداداته سنة ‪622‬م نجده يتزامن مع تحول بدأ يحدث في دعوة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلمر حيث أسلم في موسم الحج من سنة ‪ 11‬من النبوة الموافل لسنة ‪620‬م ستة رجال من أهل‬
‫يثربر فعادوا إلى يثرب وأفشوا خبر النبي صلى الله عليه وسلمر فجاء وفد في العام التالي سنة ‪621‬م‬
‫فبايعهم النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلامر وأرسل معهم مصعب بن عمير ليعلمهم القرآنر‬
‫فانتشر الإسلام في المدينة‪ .‬حتى جاء في موسم الحج التالي سنة ‪622‬م وفد من المسلمين في المدينة‬
‫كان عددهم سبعين رجلا فبايعوه على السمع والطاعة والنصرة في الحرب‪ .‬وهذه بيعة العقبة الثانية‬
‫التي تعتبر نقطة تحول كبرى في تاريخ الدعوة الإسلاميةإ‪5‬ر‪ .‬وهكذا تحولت الأمور عكس ما كان‬
 ‫يتفاءل به المشركون ويستفتحون ويأملونر وجاءت موافقة لما كان يستفتح به المسلمون ويأملون !!!‬

‫بعد أن فرغ هرقل من تدريب جيشه وتجهيزه قام بحملته الأولى الناجحة في سنتى ‪-622‬‬
‫‪623‬م فعبر البسفور في سنة ‪622‬م ووصل إلى قيصرية في كبادوقيا في خري عام ‪622‬م ثم اتجه‬
‫شرقا إلى أرمينية بقصد مهاجمة بلاد فار نفسها وفي أرمينية التقى بجيش الفر بقيادة شهر‬
‫بارازر لكنه تحاشى مواجهته وجها لوجهر واتبع معه أساليب ال مخدَع العسكرية مثل نصب الكمائن‬
‫والتظاهر بالهرب والانقضا عليه مرة أخرىر وبعد أن أرهل الجيش الفارسي بتلك الخطط انقق‬
‫عليه في معركة حاسمة فلاذ جنود الفر بالفرار فتعقبهم الروم وقتلوا أعدادا كبيرة منهمر ووقع‬
‫معسكر الفر بكل ما حواه غنيمة سائغة للروم وذلك في سنة ‪623‬م أي بعد تسع سنين من سقوي‬
‫بيت المقد ‪ .‬وهو أول نصر يحرزه الروم على الفر بعد أن ظلوا يخسرون كل معاركهم أمام‬
‫الفر يوال عشرين سنة مضت من عمر الحرب‪ .‬وترك هرقل جيشه مرابطا في أرمينية وعاد إلى‬

  ‫;‪(73) Theophanis: op. cit. p.466 ; Vasiliev : op. cit. vol. I, p. 197‬‬

                            ‫يىس‪ ،‬ال بس فر سىرة ج‪ 2‬الم ل ال ايبع ص ‪550‬؛ للأل ي ال ىا الميجع‬
                                                                                           ‫السف ق ص ‪.231‬‬

  ‫;‪(74) Vasiliev : op. cit. vol. I, p. 197‬‬

                                                    ‫يىس‪ ،‬ال بس فر سىرة ج‪ 2‬الم ل ال ايبع ص ‪.550‬‬
                                                ‫(‪ )3‬يىس‪ ،‬ال بس فر سىرة ج‪ 2‬الم ل ال ايبع ص ‪.550‬‬
‫(‪ )4‬د‪ .‬سف ت حلألا العصىر الىسى يجمة ي العشدش جفا د القدف يا ‪ 1967‬ص ‪234 – 233‬؛ حسدنلأ‪ ،‬ربلأدع‬

                                                                       ‫الميجع السف ق ص ‪.72 – 61‬‬
‫(‪ )5‬ا ادي العمديم السدلأيا النيى دة الصد لأ ة ج‪ 1‬ص ‪200 – 194‬؛ حهد م ر‪:‬ع الله السدلأيا النيى دة دي دىء‬
‫المصف ر اس دللأة ص ‪256 – 244‬؛ ح مد الصدى ف ي السدلأيا النيى دة طمدف جدفءت دي اسحف يد الصد لأ ة‬

                                                                                ‫ج‪ 1‬ص ‪.245 – 232‬‬

                                      ‫‪72‬‬
   68   69   70   71   72   73   74   75   76   77   78