Page 84 - كتاب تأبين حسنين ربيع
P. 84
كون الساحل الشمالى لمصر -من ناحية الغرب -يبدأ عند كاتاباثمو إالسلومر أمر بديهيا أقره في
أكثر من موضع .ففى أحد المواضع يتحدث عن المميزات الطبيعية لمصر فيقرر بأنهو
"يمكن للمرء أن يدرك هذه المميزات الطبيعية إلمصرر بصورة أوضح إذا ما ياف بأرجاء
البلاد ليزور في أول الأمر الساحل الذى يبدأ من كاتاباثمو -إذ أن مصر تمتد حتى ذلك المكان -أما
البلاد الواقعة وراءها فهى قوريتانية وما يجاورها من منايل البرابرة المرمديين"إ2ر.
ثم يستطرد في الفقرة التالية ليذكر منايل الساحل الشمالى الغربى لمصر من كاتاباثمو وما
يليها من منايل ومدن مصرية إلى الشرق حتى بحيرة ماريا إمربوير وشوايئها ومزارع الكروم
حولها وما تضمه من منايل آهلة بالسكان تشتهر بالنبيذ المربويى في المنطقة الواقعة إلى الغرب
من الإسكندرية مباشرةإ3ر؛ وهى منايل ستعود إليها بقدر من التفصيل لاحقا.
ومع ثبات هذه الحقائل لدى الجغرافيين الكلاسيكيين من قبل استرابون -كما يؤكد هو – فلا
بأ من أن نتعرف على بعق الكتابات الكلاسيكية الأقدم والتى كانت تعبر عن التصور القديم
للحدود المصرية في إيار وادى النيل ودلتاه .فها هو هيرودوت إوالذى زار مصر حوالى منتص
القرن الخامس ق.م ،وخصص للحديث عنها الكتاب الثانى من كتبه التسعة التى تشكل مؤلفه
"التاريخ"ر يرى أن "مصر هى كل تلك الأر التى يسكنها مصريونو
ثم ينطل إلى تحديد وتعري أدق للـ "مصريين" بأنهم كل من ارتوى من مياه النيل وروى
أرضه منها إاعتبارا من بداية حدودها الجنوبية عند اليقانتينر .ويورد هيرودوت في هذا الصدد
واقعة يؤكد بها هذه المقولة ،وتتلخص تلك الرواية في أن سكان الصحراء الغربية القريبين من دلتا
النيل من سكان مدن ماريا وأبيس أرسلوا مندوبين عنهم إلى معبد وحى الإله آمون في سيوة يشتكون
من أن قواعد الديانة المصرية التى تحرم أكل لحوم الأبقار تطبل عليهم رغم أنهم ليسوا بمصريين-
حسب اعتقادهم -بل ليبيون ،ولكن كان رد وحى آمون أنهم يشربون من مياه النيل ويروون أرضهم
منها ،وأن كل من ينطبل عليه ذلك إلى الشمال من اليقانتين فهو مصرىإ5ر.
وفى نفس هذا السياق يشير هيرودوت إلى جغرافى ورحالة يدعى سكيلاكس من كارياندا قام
حوالى سنة 500ق.م .برحلة بحرية حول المحيط الهندى في عهد الملك الفارسى داريو الأولإ6ر.
لكن هناك مخطويا مبتورا عرف باسم "الرحلة البحرية لسكيلا " ظن في أول الأمر أنه يخص
سكيلاكس الذى جاء ذكره عند هيرودوت ،ولكن ما تبقى من محتواه يدل على أنه لا يرجع إلى تاريخ
أقدم من 360ق.م ،ولكن المخطوية المذكورة لا تعدو أن تكون ملخصا يضم بعق التعديلات
والأمور المقحمة من القرن الثالث أو الرابع الميلادى من المخطوية الأصلية بهذا الاسم والتى يرجع
تاريخها -على الأرجح -إلى منتص القرن الرابع ق.م .كما أسلفنا .ما يعنينا في هذا المقام من
محتوى ذلك المخطوي أنه يص – فيما بقى منه وفى صورة مرتبة -شوايئ أوروبا وآسيا وأفريقيا
كما عرفها الإغريل ،مع ملاحظة المسافات بين كل نقطة وأخرى على هذه السواحل .وما يهمنا
بصورة أدق ذلك الجزء المتبقى من وصفه للساحل المصرى الشمالى الذى لا تذكر فيه الإسكندرية
بالطبع -حيث وضع هذا المؤل قبل إنشاءها -بل يذكر مدينة تدعى ثونيس كانت قائمة قرب مصب
الفرع الكانوبى للنيلإ7ر ،سنتناولها تفصيليا فيما بعد.
ويعتبر مؤل "رحلة سكيلاكس البحرية" كلا من كانوب وفارو جزرا مهجورة والفرع
الكانوبى للنيل على أنه يمثل الحد الفاصل بين مصر وليبيا .ويقدر المسافة بين المصب البيلوزى
والكانوبى بأل وثلاثمائة ستاديون مثل ديودور وسترابون فيما بعدإ8ر .ولكن على الرغم من أنه
اعتبر الفرع الكانوبى حدا بين مصر وليبيا ،إلا أنه في وصفه للمنايل الواقعة إلى الغرب من كانوب
على الساحل الليبى -من وجهة نظره -أقر بأن الحكم والإدارة المصرية قد امتدت إلى بارايتونيوم
إمرسى مطرومر وأبيس إزاوية أم الرخمر إلى الغرب منها مباشرة.
إذا نظرنا إلى شهادة هيرودوت ومن بعده سكيلاكس حول هذا الموضوع لوجدنا أن الأول قد
زار مصر في ظل الاحتلال الفارسى لمصر حوالى منتص القرن الخامس .وربما "كانت هذه هى
نظرة الإدارة الفارسية لحدود مصر بحيث تستفيد من بحرياتها وأرضها التى يرويها النيل دون
سواها من صحارى .أما الثانى وهو مؤل رحلة سكيلاكس البحرية فقد كتب مخطويته الأصلية بعد
ذلك بنحو قرن حوالى منتص القرن الرابع ق.م .وهو القرن الذى شهدت مصر منذ بداياته استقلالا
متذبذبا عن الحكم الفارسى استمر حتى عام 343حين أعاد الملك الفارسى أوتاكسركيس الثالث
إأوخو ر احتلال مصر واضطهد أهلها وعقائدها .معنى ذلك أن مؤل "رحلة سيكلاكس" قد كتب
83