Page 88 - كتاب تأبين حسنين ربيع
P. 88
تخضع بصورة قوية للسلطات المركزية وكانت متقلبة فى ولاءها ،لاسيما فى ظروف الاحتلال
الفارسى لمصر وما صاحبه من تقلبات سياسية .كما أن التباين الواضح فى السلوك والعادات والتقاليد
والعقائد بين البدو من سكان الصحارى من جهة والحضر من سكان الوادى والدلتا من جهة أخرى
ربما أوحى للزائر الأجنبى بأن هذه العناصر لا تشكل منظومة دولة واحدة ،بل ربما أوحى هؤلاء
البدو أنفسهم أنهم ليسوا بمصريين كما أورد هيرودوت .إن هذا التباين الثقافى فى العادات والتقاليد
بين البدو والحضر فى أرجاء مصر لا يزال يتردد صداه من حين لآخر فى مصر حتى وقتنا هذا –
خصوصا بين بدو وأعراب الصحراء الشرقية والغربية – وإن كان هذا كله لا يمنع أنهم جميعا
مصريون فى داخل حدود مصر التاريخية قديما وحديثا.
والآن لندل إلى المحور الثانى من الدراسة لنحاول إلقاء مزيد من الضوء -وإن كان قليلا-
على بعق المواقع على الساحل الشمالى المصرى على البحر المتوسط فى ضوء ما أورده بعق
الجغرافيين والمؤرخين الكلاسيكيين بعد ثبات ورسوخ نظرية حدود مصر الأشمل والأوسع من
كاتاباثمو إالسلومر غربا حتى ريو كولورا إالعريشر شرقا .إن أبرز من تناول هذه المواقع بالذكر
استرابون من بداية الحكم الرومانى لمصر ثم كلاوديو بطلميو من القرن الثانى الميلادى ،لذلك
سنعول عليهما ونحاول تفسير بعق ما ورد لديهمأ ،ولا سيما على استرابون الذى أورد بعق
التعليقات ،فى حين اقتصر بطليمو الجغرافى على ذكر المواقع محدودة بخطوي الطول ودوائر
العر ،وهو إنجاز كبير فى حد ذاته فى هذه الفترة المبكرة وبهذه الدرجة العالية من الدقة.
ومن أبرز الملاحظات والأضواء على تلك المواقع على الساحل الشمالى المصرى عند
الكاتبين ما يلىو
يبدأ استرابون فى ذكر هذه المواقع مرتبة من الغرب إلى الشرق ابتداءا من كاتاباثمو -
) (17.1.14ويذكر بعد كاتاباثمو المنايل والمواقع القائمة بينها وبين بارايتونيوم إمرسى
مطرومر ،وأول موقع يذكره بعد كاتاباثمو منطقة أوردها باسم "قرية المصريين"
واسم هذا الموقع فى هذا المكان لا يخلو من دلالة هامة ،وهى – فى تقديرى -إن
الإدارة المصرية ربما أرادت إضفاء مزيد من المسحة المصرية على تلك المنطقة التالية من
الحدود المصرية مع المنايل الليبية فاقامت مستوينة من المصريين الخلص من أهل الوادى
والدلتا فى ذلك المكان لتثبيت الحل المصرى فى هذه الحدود واكسابها نمط الحياة المصرى.
ويرى البعق أن هذه القرية تمثل تذكارا لإقامة مستوينة مصرية قرب المنايل الليبية وأن
تاريخ إقامة تلك المستوينة يعود إلى العصر الفرعونى وأنها تحتف بلمحات وبقايا
أنثروبولوجية وأثرية لهذا الأصل القديم .إ30ر .ولكن هذه المنطقة أو القرية لا يرد ذكرها
بطلميو الجغرافى -بعد قرابة قرنين من استرابون -فى تحديده لمواقع تلك المنطقة ،ربما
كان الأمر لا يستحل الذكر من وجهة نظره بعد أن ثبتت معالم تلك الحدود وصارت أمرا
بديهيا .أو ربما أدت هذه المستوينة دورها واصبحت رمزا من الماضى البعيد وأصحبت
أثرا بعد عين.
حين ذكر استرابون "بارايتونيوم" إمرسى مطرومر أعطاها كذلك اسما آخر هو "أمونيا" -
فقالو "وهى مدينة ومرفا كبير يبلء إمحيطهار نحو أربعين ستاديون ،ويطلل البعق على
هذه المدينة اسم "بارايتونيوم" ،فى حين يسميها البعق الآخر "آمونيا"و
أتصور أن البعق الذى كان يسميها "بارايتونيوم" هم إغريل مصر فى العصر البطلمى ،أما
من سموها "آمونيا" فهم بلا ريب المصريون .فمن المرجح أن وحى الإله آمون فى "سيوة" إلى
الجنوب قد ترك بصمته جلية على المنطقة الغربية بأسرها وحتى ساحل البحر ،ومن هنا جاء الاسم
الآخر للمدينةإ31ر .لقد أراد المصريون تعظيم الههم الأكبر آمون فأيلقوا اسمه على تلك المدينة
الكبيرة والرئيسية على الساحل الشمالى العربى المصرى .وكما يتضح من وص سترابون ومن
قبله ديودور الصقلى إحاشية 14أعلاهر فقد كانت "بارايتونيوم" أو "آمونيا" وميناء عظيما فى تلك
الفترة يبلء محيطها نحو خمسة أميال رومانية ،وهى بلاشك مساحة كبيرة فى تلك المنطقة
الصحراوية فى الزمن القديم ،ومرة أخرى لاتجد عند بطلميو الجغرافى ذلك المسمى المصرى لـ
"بارايتونيوم" ،ويبدو أنه كان حريصا على ذكر الأسماء الرسمية الإغريقية دون سواها ،أو ربما
كان هذا هو توجه الإدارة الرومانية لمصر والتزم به الكاتب.
87