Page 66 - كتاب تأبين حسنين ربيع
P. 66

‫الوسطىر والتي استمرت في الحقيقة حتى عصرنا الحاضر رإ‪1‬ر‪.‬‬
‫وإذا سلمنا بضخامة الكارثة التي نزلت ببيت المقد وفلسطين تحت ويأة الغزو الفارسي‬
‫وما ألحقه ذلك الغزو بهما من دمار كبير في تلك الحقبة إلا أن كونداكوف وفاسيليي قد جازفا كثيرا‬
‫عندما اعتبرا أن الدمار الذي حصل في بيت المقد دمارا أبديا لم تنهق منه المدينة حتى العصر‬
‫الحاضر‪ .‬والحقيقة أن بيت المقد لم تنهق بعد ذلك كمدينة نصرانية تهيمن على حياتها الحضارة‬
‫اليونانية الرومانيةر ولكنها نهضت بعد الفتح الإسلامي وأصبحت من المدن الكبرى في عالم الإسلامر‬
‫وقامت بدورها الفكري والحضاري على مدى نحو خمسة قرونر ولم تبدأ في التدهور إلا بعد‬
‫الاحتلال الصليبي سنة ‪492‬هـ ‪1099 /‬م‪ .‬وبعد أن استردها المسلمون بقيادة صلام الدين سنة‬
‫‪583‬هـ ‪1187 /‬مر استردت بيت المقد عافيتها من جديد وتطورت شيئا فشيئا حتى غدت من كبرى‬
‫المدن الإسلامية التي تعج بالمدار والمساجد والأربطةر والعلماء ويلبة العلم‪ .‬وقامت بدورها‬
‫الحضاري والثقافي خير قيام‪ .‬ونظرة سريعة في كتب التاريخ والتراجم وأسماء أعلام الفكر‬
‫الإسلامي تظهر لنا أسماء كثيرة للعلماء المقادسة من المحدثين والفقهاء والمؤرخين والجغرافيين‬
‫وغيرهم‪ .‬ولو تصفح القارئ – على سبيل المثال – كتاب " الأنس الجليل بتاريخ القد والخليل"‬

  ‫لمجير الدين العليمي الحنبليإ‪2‬ر ر لاتضح له خطأ الحكم الذي أصدره كونداكوف وفاسيليي بتوق‬
‫التطور الثقافي لفلسطين بغزو الفر وإلى العصر الحاضرر ولاتضح له بما لا يدع مجالا للشك أن‬
‫بيت المقد نهضت نهضة فكرية خلال العصور الإسلامية لا مثيل لها وأن ازدهارها الثقافي إبان‬
‫العصر الرومانير لا يرقى إلى مستوى ازدهارها الثقافي إبان العصر الإسلامي‪ .‬وأن ذلك التحول‬
‫الثقافي في حياة بيت المقد كان سيتم سواء وقع الغزو الفارسي أم لم يقعر لأن الفتح الإسلامي هو‬

                 ‫الذي حولها إلى مدينة إسلامية لها مكانتها المرموقة في ميدان الحضارة الإسلامية‪.‬‬
‫أما المجازفة الثانية التي وقع فيها كونداكوف وفاسيليي فهي الزعم بأن الغزو الفارسي‬
‫لامبرايورية الروم واحتلال الفر لبلاد الشام ح َّرر القبائل العربية من عوائل الوحدة والخوف التي‬
‫كانت تسيطر عليهار فبدأت تلك القبائل تقيم الوحدة التي جعلت من الممكن لها القيام بهجمات شاملة‬
‫في الفترة التالية‪ .‬وفي هذا القول مغالطة كبيرةر بل هو بايل من أساسهر إذ أنه يلغي دور الإسلام كليا‬
‫في إقامة كيان أمة جديدة وفريدة على أسا العقيدة ر ومن ثمة القيام بحركة الفتوم الإسلامية لتحطيم‬
‫العقبات والعوائل التي تحول دون وصول دعوة الإسلام إلى سائر الشعوب‪ .‬وهذا الزعم يوحي وكأن‬
‫قيام دولة الإسلام في جزيرة العرب وقيام حركة الفتوم كان نتيجة للغزو الفارسي لبلاد الشامر وليس‬
‫نتيجة لبعثة محمد صلى الله عليه وسلم ودعوته وصبره وهجرته وجهادهر وتربيته الفريدة لأصحابه‪.‬‬
‫ولو تأمل كونداكوفر وفاسيليي ما كان يجري في جزيرة العرب إبان الحرب الفارسية الرومية‬
‫لأدركا أن قيام تلك الدولة الفتية في جزيرة العرب كان على أسا دين الإسلامر وأن انتصار تلك‬
‫الدولة لم يتم إلا بعد أن تحول سير مجرى الحرب الرومية الفارسية لصالح الرومر وأن صلح‬
‫الحديبية – الذي كان فتحا مبينا – حدث بعد انتصار هرقل النهائي على الفر ‪ .‬وأن المسلمين حين‬
‫شرعوا في غزو دولة الرومر كانت تلك الدولة في ذروة انتصاراتها الحاسمة على الفر فجيوشها‬
‫جاهزة وكاملة لم تسرمر وروحها المعنوية في القمةر وقد حصلت على خبرات ميدانية يويلة ومفيدةر‬
‫وعلى غنائم ضخمةر بحيث أصبحت انتصارات الروم على الفر كفيلة بإثارة الخوف والفزع في‬
‫نفو أي قوة أخرى تريد الهجوم على أراضيها عدا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الذين‬
‫غر فيهم حب الجهاد والاستشهادر ولم يعودوا يخشون إلا اللهر ولا هدف لهم إلا التقرب إلى الله‬
‫بأرواحهمر وليس أمامهم إلا الفوز بإحدى الحسنيينر إما النصر أو الشهادةر إضافة إلى أن المسلمين‬
‫في المدينة غزو الروم بثلاثة آلاف فقط وقاتلوهم في مؤتة سنة ‪8‬هـ ‪629 /‬م عندما كان هرقل وقادة‬
‫الروم يحتفلون في بلاد الشام بانتصارهم النهائي على الفر ‪ .‬وكانت قريش لا تزال تناهق‬
‫المسلمين وخلفها معظم قبائل العربر فأين الخوف الذي يتحدث عنه كونداكوف وفاسيليي ؟ وفوق‬
‫هذا فإن المسلمين شرعوا بعد ذلك في مهاجمة الدولتين الكبيرتينر فار والرومر في وقت واحدر‬

  ‫‪(41) Vasiliev: op. cit. vol. I, p.195.‬‬
                                                                                                     ‫قلا ‪،‬‬

  ‫‪N.P. Kondakov: An Archeological Journey through Syria and Palestine,‬‬
                                                                                           ‫‪pp. 173 – 174.‬‬

‫(‪ )2‬ا اي سيعف طةفب ي ال للأي حسد‪ ،‬يد المهد م المد ارن دي لأدت المقد ن دي العصدي‪ ،‬اسيدىبي االمملدىطي‬
‫ا ار دف دي ال يطدة الفري دة دي جدشئلأ‪ ،‬مدفن ‪1981‬م؛ سدعلأ يد الفةدفح فشدىر ح يندة القد ن دي صدي‬

         ‫سلاالأ‪ ،‬الممفللأك ي طةفب ب ى ي فر الإسلام احعفر القف يا ‪ 1987‬ص ‪.549 – 489‬‬

                                      ‫‪65‬‬
   61   62   63   64   65   66   67   68   69   70   71