Page 61 - كتاب تأبين حسنين ربيع
P. 61

‫والمؤرخ الحل هو الذي ينظر للحوادث الكبرى نظرة شمولية من جميع زواياها‪ .‬ومن‬
‫المجازفة التي يرتكبها المؤرخ أن ينظر للحرب الأخيرة بين الفر والروم بعين واحدة ويتتبع‬
‫سيرها وحوادثها دون النظر والمقارنة بما كان يجري في جزيرة العرب من بعثة النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ومجادلته قومه وصبره على أذاهم وهجرته وجهاده حتى نصره الله سبحانه وتعالى على‬
‫المشركينر وقامت للإسلام دولة فتية في جزيرة العرب لأن مستقبل البشرية بأكمله كان يرسم بحل‬

  ‫على أر الواقع في جزيرة العرب وليس في ميادين المعارك الكبيرة التي دارت رحاها بين الفر‬
                                                                                     ‫والروم‪.‬‬

‫ومهما يكن من أمر فقد أدرك الامبرايور هرقل مدى ما حل بالأمبرايورية البيزنطية من‬
‫كوارث على يد الفر والصقالبة والآفارر وما وصلت إليه جيوشها من ضع وتدهورر لذلك حاول‬
‫شراء السلام مع الفر بالمالر فأرسل إلى كسرى أبرويز هدايا قيمةر وعر عليه دفع إتاوة سنوية‬
‫مقابل السلامر لكن كسرى عرف مدى ما أصاب الروم من ضع فرفق الصلح وأضفى على حربه‬
‫صبغة دينية حين يالب النصارى بعدم عبادة المصلوب والتوجه لعبادة الشمسر وأخذ كسرى الهدايا‬

                                                                     ‫وأمر بقتل رسل هرقلإ‪1‬ر‪.‬‬

‫وبادر الفر بغزو أراضي دولة الـروم في سنة ‪611‬م بقيادة شـهر باراز ‪Sahrbaraz‬الذي‬
‫اندفع بجيشه نحو شمال الشام فاستولى على الرهار المدينة المقدسة عند النصارىر ثم استولى على‬
‫انطاكيةر ذات الموقع العسكري المهمر بسبب إشرافها على المداخل الجنوبية للدروب الشامية التي‬
‫تربط بلاد الشام بآسيا الصغرىر فضلا عن أهميتها الدينية بوصفها من المدن المقدسة الرئيسة في‬
‫عالم النصرانيةر وقبق شهر باراز على الكثير من السكان وأرسلهم أسرى إلى فار ر كما قتل‬

                ‫بطريرك المدينةر ثم استولى على حمص وأفامية‪ .‬وسيطر بذلك على شمال الشامإ‪2‬ر‪.‬‬

‫وعمد كسرى إلى تشتيت انتباه الروم عن عمليات الجيش الفارسي في بلاد الشام فأرسل في‬
‫آسيا‬  ‫م‪a‬ن‪ci‬س‪o‬ك‪d‬ان‪a‬ه‪p‬ا‪ap‬وأ‪C‬سرف ايلباقيشـنرإ‪3‬قر‪.‬‬  ‫الوقت نفسه جيشا آخر بقيادة شاهين‪ Sahin‬فاتجه نحو كبادوقيا‬
                                                ‫الصغـرىر واقتحم حاضرتها مدينـة قيصريـة ‪ Caesarea‬وقتل الكثير‬

‫وحاول هرقل كسر حدة الهجوم الفارسي المزدوج فخرج بجيشه من القسطنطينيةر وقصد‬
‫قيصرية لنجدة القائد البيزنطي بريسكو ‪ Priascus‬الذي كان يكافح الفر خارج قيصريةر ونجح‬
‫بريسكو أخيرا – بعد أن تلقى النجدات من هرقل – في حصار الجيش الفارسي داخل قيصرية‬
‫الذي أصبح يعاني الأمرين من جراء نقص المؤن والطعامر ولكن الفر خرجوا مستميتين من‬
‫قيصرية وباغتوا جيش الروم إ الجيش البيزنطير على حين غرة وألحقوا به الهزيمة وتخلصوا من‬
‫الحصارر غير أن الروم نجحوا بعد جهود مضنية في استرداد قيصرية سنة ‪612‬مإ‪4‬ر‪ .‬وهو العام‬
‫{ َفام ْنصدَف ْع بمص َملا‬  ‫ااتل ْمؤذب َمريار يي َووواأَفرْعيلمرةجالْهرروا َعملن منببيار ْلامصْشعل مرنىمكيالمَلنهمتل}عكلايتإهه‪5‬را‪.‬وفلسلكيمنبفلالسسديعططيوةرنةبعاولدمف أرصنرنزوعللشمىعاليألنه أقطفاوكرييلقةيالالرهم َّكتوعلنامل الىيفعورد‬
‫بوسع الروم‬                                      ‫الاتصال بتلك الممتلكات إلا عن يريل البحر‪.‬‬

‫واصل هرقل جهوده المضنية لصد الخطر الفارسي واسترداد ما فقده من بلاد الشامر فاختار‬

  ‫‪(16) Theophanis the Confessor: Chronographia, Exrecensione Ioannis Classeni. Vol. I, in‬‬
        ‫‪Corpus Scriptorum Historiae Byzantinae. Ed. Weber (Bonnae 1839)p.464.‬‬
                          ‫اا اي سيعف المني ي لالف لأىن ‪ ،‬قسىنىلأ‪ ،‬المني ي (ت ي القين ال ايبع اله يم‪/‬‬
                            ‫العفشي الملألا م) العنىان المكلي بفعفئي ال كمة المةىج ب ىاا الفلسفة المم اح ب قفئق‬

‫المعي دة حىيعدة اابدفء اللأسدى لألأ‪ ،‬لأديات ‪ 1907‬ص ‪331‬؛ ح مدى سدعلأ مد اين حعدفلا دفر الاحي اياىر دة‬
                                                             ‫اليلأشىلأة لأيات ‪1981‬م ص ‪.72 – 71‬‬

 ‫(‪ )2‬المني ددي العنددىان المكلددي ص ‪331‬؛ يىسدد‪ ،‬الدد بس ددفر سددىرة ج‪ 2‬الم لدد ال ايبددع ص ‪546‬؛ للألدد يدد‬
                                                                      ‫ال ىا الميجع السف ق ص ‪.208‬‬

  ‫‪(18) Sebeos, Leveque: Histoire d'Heraclius. Traduite de l'armenien et annotee par‬‬
        ‫;‪Fredenic Macler ( paris 1904) p. 63‬‬

                                                                  ‫للأل ي ال ىا الميجع السف ق ص ‪.209‬‬
                         ‫للأل ي ال ىا الميجع السف ق ص‪210–209‬؛)‪Sebeos: op.cit. pp. 63-65 (19‬‬

                                                                                    ‫(‪ )5‬سىرا ال ي ية ‪94‬‬

                                      ‫‪60‬‬
   56   57   58   59   60   61   62   63   64   65   66