Page 59 - كتاب تأبين حسنين ربيع
P. 59
بين الجانبين .وقد لعب العامل الديني دورا مهما في تحويل مجرى هذه الحرب التي دارت بين أقوى
دولتين في العالم في عصر النبي صلى الله عليه وسلم .ولعل من حكمة الله سبحانه وتعالى في قيام
هذه الحرب واشتداد أوارها إبان بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته في مكة وهجرته إلى المدينة
وجهاده للمشركين هي إشغال القوتين الكبيرتين ببعضهما البعق عن التفكير في ما كان يجري في
جزيرة العرب من اختيار الله سبحانه وتعالى لنبيه الكريم وإرساله للنا لإخراجهم من الظلمات إلى
النورر حيث تمكن النبي صلى الله عليه وسلم خلال تلك الحرب من نشر رسالته والتمكين لأمة
الإسلام في المدينة وما جاورها وهي الأمة التي أياحت في نهاية المطاف بدولتي الفر والروم.
وبعبارة أوضح يمكن القول و إن الحرب الفارسية الرومية التي استمرت من قبيل بعثة النبي صلى
الله عليه وسلم وحتى صلح الحديبية كانت تقدمة من الله تعالى لرسوله حيث شغلت الدولتان عما كان
يجري في داخل جزيرة العربر فإذا افترضنا جدلا أن تلك الحرب لم تقعر فلربما تمكنت قريش إبان
الصراع الدامي مع المسلمين من استغلال علاقاتها التجارية مع إحدى الدولتين وتأليبها ضد
المسلمين .إما مع الفر في اليمنر أو مع الروم في الشام لا سيما أن مصالحها كانت مرتبطة مع
الروم في الشام إلى حد بعيدر ويمكنها استثارة الروم ضد المسلمينر خصوصا وأن عقيدة المسلمين
تنص على بشرية المسيح وعبوديته لله تعالىر وتكفير من يقول بألوهيته .والمعروف أن عقيدة
آريو تقول بأن المسيح مخلوق بشر وليسإ1ر الاها .والمعروف لدارسي تاريخ الرومر أن هذه
العقيدة تعرضت لحرب شرسة منذ مجمع نيقية سنة 325م على أيدي أبايرة الروم حتى قضوا على
هذه العقيدة في معظم بلاد دولة الروم .ويمكن لقريش أن تكسب دولة الروم إلى جانبها – لو لم تنشغل
بالحرب مع الفر – ومحاربة المسلمين الذين يرفضون ألوهية المسيح عليه السلام كما يرفضون
دعوى بنوته لله جل وعلا .وهكذا يبدو لنا أن الله تعالى هيأ الأسباب لنصرة نبيه محمد صلى الله عليه
وسلم ر فأشغل الفر والروم ببعضهم البعق ريثما يتمكن النبي صلى الله عليه وسلم من غر
عقيدة التوحيد الخالص لله تعالى في نفو أصحابه الكرام الذين قام على أكتافهم كيان الدولة
الإسلاميةر التي استطاعت بعد نهاية الحرب الفارسية الرومية مقارعة القوتين في وقت واحد
وسحقت جيوشهما في ميادين القتالر وفتحت بلادهمار بل وأزالت دولة الفر من الوجود وانتزعت
من دولة الروم أبهى وأغنى أقاليهما مثل بلاد الشام ومصر وشمال أفريقيا.
وقد بدأت تلك الحرب سنة 603م إقبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بسبع سنينر عندما
استغل ملك الفر كسرى أبرويز إ628 – 590مر مقتل صديقه وحميه الامبرايور البيزنطي
موريس Mouriceإ602 – 582م ر على يد فوقا Phocasإ610 – 602م ر الذي أصبح
أمبرايورا على دولة الرومر فاتخذ من ذلك ذريعة لمهاجمة دولة الروم .وخلال خمس سنواتر من
سنة 608 – 603م تمكنت الجيوش الفارسية من اجتيام أرمينية وما بين النهرينر وآسيا الصغرى
حتى وصلت إلى الضفة الشرقية لمضيل البسفور قبالة القسطنطينية ر وقد اتص ذلك الاجتيام
بالتخريب والتدمير والنهب والسلب وعادت الجيوش الفارسية بغنائم كثيرة الأمر الذي عاد بأفدم
الأضرار على الدولة البيزنطيةإ2ر.
ولمواجهة الانهيار الشامل الذي كانت تواجهه الامبرايورية البيزنطية إامبرايورية الرومر
شارك حاكم ولاية إفريقية المسمى هرقل Heracliusالكبير في تدبير مؤامرة ضد فوقا ر ونجحت
المؤامرة وتمكن هرقل بن هرقل الكبير من الوصول إلى عـرش الدولـة البيزنطية في القسطنطينية
في شـهر اكتوبر سـنة 610مإ3ر.
ويعتبر بعق أساتذة التاريخ البيزنطي هرقل إ641 – 610مر امبرايورا ذا موهبة عالية
وأنه كان مفعما بالحيوية والنشاير وأ َّن توليه عرش الامبرايورية كان نقطة تحول في تاريخ الدولة
البيزنطيةر ووصفوه بأنه أعظم ألأبايرة في التاريخ البيزنطير وأنه الذي أوجد بيزنطة العصور
الوسطىر وأنه جعل من روما إبان مجدها مثالا وقدوة لهر مع اتخاذه الثقافة اليونانية والنصرانية دينا
( )1ح ،قلأ ا سرىن ا اي حسنلأ ،ربلأع الميجع السف ق ص .28
(9) Ostrogorsky. G: History of the Byzantine State. Trans. Joan Husscy.
;(Oxford 1968). P.85
للأل ي ال ىا الميجع السف ق ص 48 – 44؛ يىس ،ال بس فر سدىرة الد لأىم االد يني ال دشء الثدف ي الم لد
ال ايبدع دي دفر سدىرة دي القدين الثدف ي احدف يللأد الد دةح ال لفدفء ال ايشدد ي ،لهدف دي القدين السدفبع لأديات
1899م ص .544 – 541
( )3حسنلأ ،ربلأع الميجع السف ق ص .60
58