Page 103 - كتاب تأبين حسنين ربيع
P. 103

‫وهكذا نرى أن شيخنا الجليل لم يقنع بالبقاء في مكان واحد وإنما كان على دراية كبيرة بأن‬
‫الرحلة في يلب العلم مطلب أساسي لكل عالم‪ ،‬وأنه سليل علماء مرموقين وأبوه أساسا خرج في‬
‫يلب العلم وحمل معه علوم أهل الأندلس لتنتشر على يده ويد ابنه في جميع الأمصار الإسلامية‪ ،‬بل‬

                                                                                ‫ليفيد ويستفيد‪.‬‬
‫أما عن توجهه للاسكندرية من أجل الاستزادة من العلم‪ ،‬فهذا يؤكد لنا أن هذه المدينة كانت‬
‫لها مكانة كبيرة في هذا العصر فقد كانت مدينة تحوي منشآت معظمها من وحي الروم التي سادت‬
‫العصر وهي روم الجهاد الديني والجهاد بالسلام والجهاد بالعلم‪ ،‬لهذا امتدت الحركة التي امتاز بها‬
‫العصران الأيوبي والمملوكي وهي حركة إنشاء المدار والخوانل والربط والزوايا حتى شملت‬
‫الاسكندرية‪ ،‬فأنشئ في الاسكندرية في العصر المملوكي عدد كبير من هذه المؤسسات العلمية التي‬
‫تقوم في معظمها على أسا من التصوف وما يستتبعه من شعر صوفي ودراسات وابتهالات صوفية‬

                           ‫وفي أقلها على التفقه في العلوم الدينية المختلفة وخاصة علم الحديثإ‪1‬ر‪.‬‬
‫لذلك حرص ابن الملقن على زيارتها فقد كانت أولى رحلاته إليها عام سبعمائة وخمس‬
‫وخمسين وإلى أنه سمع بها على أبي عبد الله بن النعمان كما سمع في رحلته الثانية إليها‪ ،‬وإن لم‬

                                                                      ‫يؤرخ لها على الشيخإ‪2‬ر‪.‬‬
‫ومما يؤكد أنه زارها أكثر من مرة أنه أشار أنه فرغ من تألي القسم الأول منه في رحلته‬

  ‫الثالثة إلى الاسكندرية بالترتيب قبالة بنها العسل في الوجه البحري سنة ثمان وسبعين وسبعمائةإ‪3‬ر‪.‬‬
‫وهكذا نرى أن هذا العالم لم يتوق عن الحركة والتألي ‪ ،‬وإنما جاب البلاد حتى تكتمل‬

                                                                           ‫الفائدة العلمية لديه‪.‬‬

                                            ‫الأصول العلمية التي استقى منها ابن الملقن ثقافته‬
‫تعتبر الأصول العلمية الأولى والعديدة في شتى فروع المعرفة هي الأسا الأول الذي‬

                                                 ‫استقى منه ابن الملقن ثقافته ومعلوماته الغزيرة‪.‬‬
‫يشير ابن العماد الحنبلي إلى أن ابن الملقن كان جماعة للكتبإ‪4‬ر‪ ،‬ويشير ابن الملقن نفسه –‬
‫رحمه الله – إلى ذلك فيقول في خطبة الكتاب "ويسر الله تعالى – لنا – سبحانه وله الحمد والمنة –‬

                          ‫من الكتب التي يحتاج إليها يالب هذا الفن زيادة على مائة تألي ‪ "...‬إ‪5‬ر‪.‬‬
‫وقد كان من أهم الأسباب التي هيأت له تكوين هذه المجموعة من الكتب يسر حاله‪ ،‬وقلة‬
‫عياله‪ ،‬ذلك أنه كان له مال ثابت يتحصل عليه من الربع الذي أنشأه له وصيه‪ ،‬فكان يكتفي بأجرته‪،‬‬
‫وتوفر له بقية مال‪ ،‬فكان يقتني الكتب"إ‪6‬ر‪ .‬ولكن لم تكن جميع هذه الكتب ملكا له "فقد كان عنده من‬
‫الكتب ما لا يدخل تحت الحصر‪ ،‬منها ما هو ملكه ومنها ماهو من أوقاف المدار ‪ ،‬لا سيما‬

                                                                                  ‫الفاضليةإ‪7‬ر‪.‬‬
‫ومما أسهم أيضا في زيادة المصادر والكتب العلمية لديه ما رواه السخاوي نقلا عن شيخه‪،‬‬
‫أن مصر تعرضت في هذه الفترة الزمنية لطاعون فتاك أضر باقتصاد البلاد‪ ،‬حتى أن بعق العلماء‬
‫اضطروا لبيع كتبهم‪ ،‬ويذكر في ذلك "أن وصي المحدث كان لا يبيع إلا بالنقد الحاضر‪ ،‬فيذكر ابن‬
‫الملقن قائلا و فتوجهت إلى منزلي فأخذت كيسا من الدراهم ودخلت الحلقة فصيته‪ ،‬فضرت لا أزيد‬

  ‫(‪ )1‬جمفا ال ي‪ ،‬الشلأفا‪ ،‬فر ح ينة الاسكن رة ي العصي الإسلاحي‪ ،‬ار المعفرف‪ ،‬القف يا‪ ،1966 ،‬ص‪.88‬‬
                                                            ‫(‪ )2‬ا ‪ ،‬الملق‪ ،،‬ايقفت اساللأفء‪ ،‬ص‪.571-500‬‬

                                              ‫(‪ )3‬ا ‪ ،‬الملق‪ ،،‬فة النافر‪ ،‬قلأق ح ي ة الشيقفام‪ ،‬ص‪.200‬‬
                                                                           ‫(‪ )4‬شذ ارت الذ ب‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.45‬‬

                                                                       ‫(‪ )5‬ا ‪ ،‬الملق‪ ،،‬الي ر المنلأي‪ ،‬ص‪.46‬‬
                                                                  ‫(‪ )6‬ا ‪ ،‬ح ي‪ ،‬ا يفء الغمي‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.217‬‬

                                                                          ‫(‪ )7‬المص ر السف ق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.42‬‬
‫الم رسدة الفف دللأة نف دف القف دي الفف دي ا‪:‬دي دلاح الد ي‪ ،‬اطف دب السدي االإ شدفء دفم ‪ 580‬د ا سديت اللأد لةد رس‬

                                            ‫المذ يلأ‪ ،‬الشف عي االمفلري‪ .‬المقيشم‪ ،‬ال ى ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.319‬‬

                                     ‫‪102‬‬
   98   99   100   101   102   103   104   105   106   107   108