Page 32 - كتاب تأبين حسنين ربيع
P. 32

‫ويأتي الخط علي رأ هذه الروافد غير الشرعية لاسترقاق الأحرار نظرا لما تمتع به من‬
‫ثراء مصدري‪ .‬ونسجل بداية إن فهم هذا الرافد لا يتأتى بمعزل عن ظاهرة الفوضى وانعدام الأمن‬
‫وغياب الرقابة السياسية إذ إن العلاقة بينهم تكاد تكون حميمة فعادة ما "يزداد الفساد والحرابة بسبب‬
‫عدم السلطان وكثرة الحروب"إ‪1‬ر‪ ،‬وكثيرا ما يبدو هذا التلازم واضحا خلال مراحل الانتقال السياسي‬
‫أو خلال حركات الثورة والتمرد‪ ،‬وهو ما أفصح عنه الفقيه والمؤرخ الشيعي ابن حيونإ‪2‬ر‪ ،‬حين ربط‬
‫بين هذه الظاهرة مثلا وبين فتنه أبي يزيد الخارجي معتبرا أن القضاء عليها بأيدي الفايميين كان من‬
‫اجل النعم التي أسديت للنا " وأكثر النا لا يعرفون ولا يدرون قدر نعم السلطان عليهم " ويتأكد‬
‫هذا المعني ايضا من خلال نازلة غاية الدلالة تعود إلي القرن الثالث الهجري سئل من خلالها فقيه‬
‫افريقية سحنونإ‪3‬ر عن مجموعة من الحرابة " عليها نشئوا خلفا عن سل يسفكون الدماء ويقطعون‬

       ‫الطريل‪ ...‬ويأخذون النساء بالقهر والغلبة‪ ...‬ويلب سبي الحريم‪ ...‬لا تنالهم أحكام السلطان"‪.‬‬
‫ولا تعوز الدلائل الكاشفة عن انتشار الفوضى وانعدام الأمن ببلاد المغرب خلال فترة البحث‬
‫والتي سبل أن عولنا عليها‪ ،‬ويكفي أن نستأنس هنا ببعق النصوص الجديدة التي تخدم الموضوع‪،‬‬
‫فهذا احد رحالة القرن الرابع الهجري يص إقليم المغرب من خلال مشاهدته العينية بأنه " صعب‬
‫المسالك كثير المهالك‪ ...‬فلا فيه راغب ولا له ذاهب ولا عنه سائل"إ‪4‬ر‪ ،‬وهو ما تأكد بشهادة احد‬
‫رجالات هذا القرن من فقهاء الإباضية والذي عبر عنه بقوله " كثر العدوان وانتشرت الفتن‪ ...‬وكثر‬
‫الغدر وقلة الطمأنينة وارتفاع الأمانة وقلة الثقة"إ‪5‬ر‪ ،‬وأرسل الفقيه المالكي ربام بن يزيد إلي نظيره‬
‫عبد الله بن فروخ إت ‪176‬هـ‪ 792/‬مر رسالة يذم فيها زمانه قائلا " قد أدركت زمانا‪ ...‬عز فيه‬
‫الأشرار‪ ...‬وعهدت بلادنا بالحصار والقتل والفساد"إ‪6‬ر‪ ،‬ولما أراد احد أصدقاء الفقيه القيرواني‬
‫الإبياني إت ‪ 352‬هـ ‪ 963 /‬مر زيارته عاجله الفقيه برسالة يحذره فيها من القدوم ويوصيه بملازمة‬
‫داره خشية عليه من مخاوف الطريلإ‪7‬ر ووص الفقيه الداودي إت ‪ 402‬هـ ‪ 1011 /‬مر عصره‬

                                                            ‫بأنه عصر "محن وفتن وهرج"إ‪8‬ر‪.‬‬
‫من خلال المعطيات هذه كان بديها إن تستشري ظاهرة الخط لتغذية أسواق النخاسة‪ ،‬فهذا‬
‫احد مؤرخي العصر يعبر في نص هام عن علاقة التلازم المذكورة من خلال وصفة لعموم الفوضى‬
‫السياسية التي عمت بلاد المغرب قبل ظهور المرابطين كمناخ لـ " سفك الدماء وانتهاب الأموال‬
‫واسترقاق النساء واقتحام الديار‪"..‬إ‪9‬ر‪ ،‬ولا نتردد في القول أن هذه الوضعية استوجبت ظهور نظام‬
‫حراسـة القوافـل في الطرق المخوفة "حراسة للمهج والأموال من غوائله"إ‪10‬ر‪ ،‬والتي عرفت في‬

‫(‪ )1‬المهد ا الدى ا‪ :‬الندىا‪:‬ا ال يد ا الريديم لأمدف س دي دفن اللأدي ا حد‪ ،‬اليد ا اال عدي‪ ،‬د مدي د‪ ،‬يدف ‪،‬‬
                                  ‫ط‪.‬ا ا‪:‬را اساقفف االشؤان الإسلاحلأة‪ ،‬المغيب‪ ،1999 ،‬جد‪ ،10‬ص ‪.263‬‬
                                                                        ‫(‪ )2‬الم فلس االمسفي ايت‪ ،‬ص ‪.310‬‬

‫(‪ )3‬قدلا د‪ ،‬الى شيسد المعلأدفر المعديب اال دفحع المغدديب د‪ ،‬ةدفام س دي ا يقلأدة ااس د لس االمغديب‪ ،‬قلأددق‬
     ‫ح مى ة ح‪ ،‬الفقهفء بإش ايف ح م ح ي‪ ،‬ط‪ .‬ار الغيب الاسلاحي‪ ،‬لأيات‪1981 ،‬م‪ ،‬جد‪ ،6‬ص ‪.155‬‬
                                   ‫(‪ )4‬المق س سحس‪ ،‬الةقفسلأا ي حعية اسقفللأا‪ ،‬ط للأ ن ‪ ،1967‬ص ‪.316‬‬

 ‫(‪ )5‬قي ذه الشهف ا اليي ا ال دىا ي المنةقدفه د ا مدفم حدف س دي بد طةدفب الىيقدفت س د العيدفن الد رجلأن ‪ ،‬ح ىد‬
                             ‫بفلهلأئة العفحة للرةفب‪ ،‬ت رقا ‪ 8456‬ح يب ‪ ،‬حلأكيا لألا ‪ ،15843‬ارقة‪.3‬‬

‫(‪ )6‬المددفلر رددفل النفددىن دد ايقددفت لمددفء القلأددياان اا يقلأددة‪ ،‬جدد‪ ،1‬قلأددق حسددلأ‪ ،‬حددؤ س‪ ،‬حكةيددة النهعددة‬
                                                               ‫المصية‪ ،1951 ،‬جد‪ ،1‬ص ‪.220 ،219‬‬

‫(‪ )7‬لأفل يلأب الم ارك ا قيب المسفلك‪،‬لمعية س لام حذ ب حفلك‪ ،‬قلأق سحم بكلأدي ح مدى ‪ ،‬ط‪.‬حنشدى ارت ار‬
                                                           ‫حكةية ال لأفا‪ ،‬لأيات‪ ،1967،‬جد‪ ،3‬ص ‪.352‬‬

‫(‪ )8‬قددلا دد‪ ،‬الس لمفسدد شدديح اددا العمددي الففسدد ‪ ،‬ح ىددىط بفلهلأئددة العفحددة للرةددفب ددت رقددا ‪ 97‬قدد حفلددك‪،‬‬
                                                                          ‫حلأكيا لألا ‪ ،3556‬ارقة ‪.256‬‬

‫(‪ )9‬س دى القفسدا اليلدىا العىدفء ال ش دي د طشد‪ ،‬لىدفء الةيسدلأي‪ ،‬ح ىدىط بمعهد الم ىىادفت العيبلأدة دت رقدا‬
                                                       ‫‪ 154‬بعثة المعه اسال ال المغيب‪ ،‬ارقة ‪.169‬‬
                                                                            ‫(‪ )10‬الس لمفس ارقة ‪.94 ،93‬‬

                                      ‫‪31‬‬
   27   28   29   30   31   32   33   34   35   36   37