Page 91 - كتاب يوحنا الدمشقي رائد العدوان الفكري على الإسلام
P. 91
ﺃﻣﺎ ﺗﺄﺛﲑ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﳍﻠﻴﻨﻴﺔ )ﺍﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ( ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺼﺮﺍﻧﻴﺔ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﺗﺄﺛﲑﺍﹰ ﻃﺎﻏﻴﺎﹰ ﻓﻌﻘﻴـﺪﺓ ﺍﻟﺘﺠﺴـﺪ
ﺍﻟﺒﺎﻃﻠﺔ ﺍﻟﱵ ﻗﺎﻝ ﺎ ﺍﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﻭﻣﻔﺎﺩﻫﺎ ﺃﻥ ﺍﷲ ﲡﺴﺪ ﰲ ﺻﻮﺭﺓ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻭﻗﹸﺘﻞ ﻭﺻﻠﺐ ﻟﻴﺨﻠﺺ ﺍﻟﺒﺸـﺮ.
ﺇﳕﺎ ﻫﻲ ﰲ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ ﻋﻘﻴﺪﺓ ﻭﺛﻨﻴﺔ ﻫﻠﻴﻨﻴﺔ .ﻭﻳﻌﺘﺮﻑ ﺬﺍ ﺍﳊﻘﻴﻘﺔ ﺃﺷﻬﺮ ﻣـﺆﺭﺧﻲ ﺍﻟﻐـﺮﺏ ﰲ ﺍﻟﻘـﺮﻥ
ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ،ﺃﺭﻧﻮﻟﺪ ﺗﻮﻳﻨﱯ ،ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮﻝ ) :ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧﺔ ﺍﳌﺴﻴﺤﻴﺔ ﺍﻟﱵ ﺍﺳﺘﺄﺛﺮﺕ ﰲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺑﻨﺼـﻒ
ﺍﻟﻌﺎﱂ ﺍﳍﻠﻴﲏ ،ﺗﻌﺪ ﺻﻮﺭﺓ ﻣﻌﺪﻟﺔ ﻟﻠﺪﻳﺎﻧﺔ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻳﺔ ،ﻭﻗﺪ ﰎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻐﻴﲑ ﻋـﻦ ﻃﺮﻳـﻖ ﺗﻄﻌـﻴﻢ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧـﺔ
ﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻳﺔ ﺑﻔﻜﺮﺓ ﻫﻠﻴﻨﻴﺔ ﺗﻌﺪ ﰲ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻘﻴﺾ ﲤﺎﻣﹰﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﲤﺜﻠﻪ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧﺔ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻳﺔ .ﺗﻘﻮﻝ
ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺍﳌﺴﻴﺤﻴﺔ ﺇﻥ ﺇﻟﻪ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﻠﻖ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺗﻪ ﻗﺪ ﻫﻴﺄ ﺃﻳﻀﹰﺎ ﻭﺳـﻴﻠﺔ ﻟﻠﺨـﻼﺹ
ﳋﻼﺋﻘﻪ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ،ﺑﺄﻥ ﲡﺴﺪ ﺑﺬﺍﺗﻪ ﰲ ﺻﻮﺭﺓ ﺇﻧﺴﺎﻥ .ﻭﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﳌﺒﺪﺃ ﺍﳌﺴﻴﺤﻲ ﺍﻟﺜﻮﺭﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘـﻮﻝ
ﺑﺘﺠﺴﺪ ﺍﷲ ،ﰲ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ،ﺇﻗﺤﺎﻣﹰﺎ ﺇﳊﺎﺩﻳﺎﹰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧﺔ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻳﺔ ،ﻷﺳﻄﻮﺭﺓ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺃﻓﺪﺡ ﻭﺃﻟﻌﻦ
ﺍﻷﺧﻄﺎﺀ ﺍﻟﱵ ﻭﻗﻌﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧﺔ ﺍﻟﻮﺛﻨﻴﺔ ﺍﳍﻴﻠﻴﻨﺔ ،ﻭﱂ ﻳﻜﻦ ﻷﻱ ﻳﻬﻮﺩﻱ ﺻﺎﺩﻕ ﺍﻹﳝﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﻘﺪﻡ ﻋﻠﻴﻬﺎ.
ﻭﱂ ﻳﻜﻦ ﻟﻴﻘﺘﺮﻑ ﻫﺬﺍ ﺍﳉﺮﻡ ﻏﲑ ﺍﳉﻠﻴﻠﻴﲔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻋﺎﺷﻮﺍ ﲢﺖ ﺗﺄﺛﲑ ﺍﳊﻀﺎﺭﺓ ﺍﳍﻴﻠﻴﻨﻴﺔ ...ﻭﺍﳊﻘﻴﻘـﺔ ﺃﻥ
ﺗﺄﺛﲑ ﺍﳊﻀﺎﺭﺓ ﺍﳍﻠﻴﻨﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺒﺎﺩﺉ ﺍﳌﺴﻴﺤﻴﺔ ﻭﻧﻈﺮﺎ ﻛﺎﻥ ﺗﺄﺛﲑﺍﹰ ﻋﻤﻴﻘﹰﺎ ،ﻷﻥ ﺍﷲ ﰲ ﲢﻮﻟﻪ ﺇﱃ ﺇﻧﺴـﺎﻥ
ﻳﻌ ﺮﺽ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻠﺸﻘﺎﺀ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﳌﺼﲑ ﺍﶈﺘﻮﻡ ﻟﻜﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ..ﺑﻴﺪ ﺃﻥ ﺗﻄﻌﻴﻢ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧﺔ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻳـﺔ ﺑﻔﻜـﺮﺓ
ﺍﻟﺘﺠ ﺴﺪ ﺍﳍﻠﻴﻨﻴﺔ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻪ ﺃﻥ ﺧﺮﺟﺖ ﺇﱃ ﺍﻟﺴﻄﺢ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ،ﻭﰲ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧﺔ ﺍﳌﺴﻴﺤﻴﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﳌـﺮﺓ ،
ﻋﺒﺎﺩﺓ ﺍﻹﻟﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﱂ ﺗﻔﻘﺪ ﻗﺼﺔ ﻣﻮﺗﻪ ﺍﳌﻔﺠﻊ ﻭﻗﻴﺎﻣﺘﻪ ﺍﳌﻈﻔﺮﺓ ﺳﺤﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﺍﻟﺒﺸـﺮﻳﺔ ﰲ ﺍﻟﻌـﺎﱂ
ﺍﳋﻔﻲ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﳍﻠﻴﲏ ( ) .(٢٤٩ﰒ ﻳﺸﲑ ﺗﻮﻳﻨﱯ ﺇﱃ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺼﺮﺍﻧﻴﺔ ﻭﺟـﺪﺕ ﰲ ﺍﻟﻔـﻦ ﺍﳍﻠـﻴﲏ
ﻭﺍﺳﻄﺔ ﺑﺼﺮﻳﺔ ﻟﻌﺮﺽ ﺃﻓﻜﺎﺭﻫﺎ ﻭﻣﺜﹸﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻐﺎﻟﺒﻴﺔ ﺍﻷﻣﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﺗﺒﺎﻋﻬﺎ )ﻭﻭﺟﺪﺕ ﺍﳌﺴﻴﺤﻴﺔ ﰲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ
ﺍﳍﻠﻴﻨﻴﺔ ﻭﺍﺳﻄﺔ ﺫﻫﻨﻴﺔ ﻟﺒﺴﻂ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﺍﳌﺴﻴﺤﻴﺔ ﰲ ﻋﺒﺎﺭﺍﺕ ﺍﺻﻄﻼﺣﻴﺔ ﺗﻘﺒﻠﻬﺎ ﺍﻷﻗﻠﻴﺔ ﺍﳌﺜﻘﻔﺔ ﺗﺜﻘﻴﻔﹰﺎ ﻫﻠﻴﻨﻴﹰﺎ
ﻣﻦ ﺑﲔ ﺃﻋﻀﺎﺀ ﺍﺘﻤﻊ ( ) .(٢٥٠ﻭﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺷﺮﺡ ﺗﻮﻳﻨﱯ ﺑﺈﺳﻬﺎﺏ ﻛﻴﻔﻴـﺔ ﺗﻘﺒـﻞ ﺍﻟﻨﺼـﺮﺍﻧﻴﺔ ﻟﻠﻌﻘﺎﺋـﺪ
ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﳍﻠﻴﻨﻴﺔ ﻻﺟﺘﺬﺍﺏ ﺃﻫﻠﻬﺎ ﻳﺼﻞ ﺇﱃ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺍﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ ﺍﳊﺎﲰﺔ ﺣﻴﺚ ﻗﺎﻝ) :ﻫﻜـﺬﺍ ﺍﻛﺘﺴـﺒﺖ
) (٢٤٩ﺃﺭﻧﻮﻟﺪ ﺗﻮﻳﻨﱯ :ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﳊﻀﺎﺭﺓ ﺍﳍﻠﻴﻨﻴﺔ ،ﺗﺮﲨﺔ ﺭﻣﺰﻱ ﻋﺒﺪﻩ ﺟﺮﺟﺲ ،ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ ١٩٦٣ ،ﻡ ،ﺹ.٢٠
) (٢٥٠ﺍﳌﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ ،ﺹ. ٢١
٨٩
