Page 26 - كتاب تأبين حسنين ربيع
P. 26
ذلك "الحوار التاريخى" حدث على الملأ وعلى مرأى وسمع من الكثيرين؛ وكان له أثره فى إثارة
النا ،خاصة لدى العناصر الشابة التى رأت بأعينها ،المتقدمين فى السن بمثل ذلك الحما
المتأجج ،ولم يمنعهم أحد من المشاركة فى جهاد الغزاة.
كذلك تبرز المصادر حوار بين الفندلاوى والحلحولى ،حيث سأل لصاحبهو "هل هؤلاء
الروم؟" ويقصد الصليبيين ،فأجابهو "نعم" ،فقالو "إلى متى نحن وقوفإ29ر؟" واتجه معه إلى قتالهم.
ولا تبرز لنا المصادر نوع المشاركة الحربية كما أننا لا نعرف مدى خلفيتهما الحربية،
وجميعها زوايا نفتقد أية إشارات مصدرية عنها تلقى الضوء على نحو يعين على إبراز وقائع
الأحداث.
وعن الأمور ذات الدلالة ،أن استشهادهما حدث فى اليوم الأول من القتال مما عكس الريادة
والمبادرة والرغبة الصادقة فى الإقتدار على نحو حولهما إلى رمزين شعبيين ظلت الأجيال تردد
قصتهما ،ومن المفتر حدوث زيادات من المخيال الشعبى عمقته كرامات الحلحولى التى أقر بها،
حتى الغزاة أنفسهم.
ويقرر ابن خلكان أن هناك من رأى الفندلاوى فى المنام فقال لهو "ما فعل الله بك وأين أنت؟
فقالو" غفر لى ،وأنا فى جنات عدن على سرر متقابلين"إ30ر .ولا يفهم هذا النص إلا من خلال تعمل
صورتهما كأبطال شعبيين فى الخيال الجمعى ،بل أن هناك من يقرر زيارة قبرهما والدعاء هناك،
ويذكر الذهبى ،وهو معاصر للقرن 14م ،أن الدعاء عند قبر الفندلاوى مستجابإ31ر ،ومن الجلى
البين أن تلك العبارة جاءت تأكيدا للمعتقد الشعبى العام ،ولتجربة الذهبى الشخصية ذاتها؛ وبالتالى
دعم ما أورده من قبل أبو شامه عندما ذكر ما نصه عن الفندلاوىو "وقبره الآن يزار بمقابر باب
الصغير"إ32ر.
أما الحلحولى ،فقد دفن فى بستان الشعبانى ،فى جهة شرق عند المسجد المحاذى لمسجد
شعبان المعروف فى عصر أبى شامه بمسجد يالوت ،حيث كان مقامه فى حياته هناكإ33ر .وهكذا
جمع ثرى دمشل التاريخ والحضارة العلمية ،الشهيدين معا ،مثلما جمعهما عصر الحروب الصليبية؛
ومع تقادم الزمن ،صارا جزءا لا يتجزأ من ذاكرة العصر.
ولم يكن غريبا والأمر هكذا ،أن خ ّلد الشعر العربى واقعة استشهادهما ،إذ أوردت المصادر
التاريخية قصيدة من نظم ابن الحكم الأندلسى أورد فيها من الأبيات الرائعة ما يلىو
فففمفففففففففففففىفففففجا ّلففتفففوفاففتيلنـففدففيففنفففففففففففففففـاا أم فففففففففففففور بشففففففففففففففففففطى نهففففففففففففففففففر داريـففففففففففففففففففـا
الففففففففدماء ف وأقفففففففففففففففففففففففففففوام رأوا سفـفففففففففففففففففففففففففففـك
عديفففففففففففففففففففدا أو يزيدونفففففففففففففففففففـا أتانـففففففففففففففففففففـا مائففففففففففففففففففففـتا ألفففففففففففففففففففف
وبعفففففففففففق مفففففففففففن فلسفففففففففففطينا فبعضفففففففففففففففففهم مفففففففففففففففففن أنفففففففففففففففففدلس
ومففففففففففففن صففففففففففففيدا وتبنينففففففففففففـا ومففففففففففففن عكففففففففففففا ومففففففففففففن صففففففففففففور
ت أقوامفففففففففففففففففففا مجانينفففففففففففففففففففـا إذا أبصرت ففففففففففففففففففففففففففـم أبصفففففففففففففففففففففففففففر
ج فففففففففففل الح فففففففففففال البسففففففففففففاتينا ولكفففففففففففففن حرقفففففففففففففوا ففففففففففففففى عفففففففففففففا
إلى أن يقولو
رج مففففففففن شففففففففرقى جسففففففففرينا فولففففففففففففففففففوا يطلبففففففففففففففففففـون الففففففففففففففففففـم
تحففففففففت التففففففففرب مففففففففدفونا ولكففففففففففففففففففن غففففففففففففففففففادروا اليـففففففففففففففففففـأ
فقيهفففففففففا يعضفففففففففدإ34ر الدينفففففففففـا وشفففففففففففففففففففففففففففففيخا فندلاويـفففففففففففففففففففففففففففففـا
ولا نغفل أمرا مهما ،وهو أن صلام الدين الأيوبى كان خلال عام 1148م صبيا صغيرا لا
يتجاوز عمره 11عاما ،ومن المفتر أن شيئا ما من أقاصيص تلك الواقعة وصلت إلى مسامعه،
وبالتالى تكون واقعة استشهاد البطلين الشعبيين المذكورين ساهمت فى تكوين مخيلة صبى قدر الله
تبارك وتعالى أن يقود المسلمين بعد 39عاما من الانتصار تاريخى جاسم فى حطين فى 4يوليو
1187مإ35ر ،على نحو جعله يدخل بيت المقد محررا فى 2أكتوبر 1187مإ36ر محققا حلم
25