Page 25 - كتاب تأبين حسنين ربيع
P. 25

‫هنا ما هى إلا لتسهيل الدراسة دون أن ينكبل ذلك على الواقع التاريخى ذاته‪.‬‬
‫وقد قام بالدعوة لتلك الحملة القديس "برنارد دى كليرفوه ‪ Bernard de Clairvaux‬إ‪-1090‬‬
‫‪1153‬مر‪ ،‬فى مجمع فيزيلاى‪ ،‬وقد اشترك فيها كل من الملك الفرنسى لويس السابع ‪Louis VII‬‬
‫إ‪1180 -1137‬مر والإمبرايور الألمانى كونراد الثالث ‪ Conrad III‬إ‪1152 -1138‬مر‪ ،‬بالإضافة‬
‫إلى الصليبيين المحليين وعلى رأسهم الملك بلدوين الثالث ‪ Baldwin III‬إ‪1162 -1144‬مر‪ ،‬ومن‬
‫الملاح أن الصليبيين بدلا من الإتجاه نحو استعادة إمارة الرها‪ ،‬إذا بهم يفضلون الإتجاه صوب‬

    ‫أتابيكية دمشل‪ ،‬التى كانت متهادنة معهم‪ ،‬وقد دفعتهم صوبها عدة دوافع يمكن إجمالها فى الآتىو‬
‫أولاو إن ضم دمشل يؤدى إلى تأمين الحدود الشمالية لمملكة بيت المقد الصليبية بامتدادها‬
‫الفلسطينى‪ ،‬ويحسم إخضاع مرتفعات الجولان الإستراتيجية دفاعيا ومائيا لسيادة الصليبيين‪ ،‬حيث‬
‫كان الأمن المائى فى مقدمة أولويات الغزاة الذين حرصوا الحرص أجمعه على إخضاع منابع‬

                                            ‫ومسارات ومصبات الأنهار الشامية قدر استطاعتهم‪.‬‬
‫ثانياو تصور الصليبيون أن إخضاع عاصمة بلاد الشام التاريخية دمشل‪ ،‬من شأنه السيطرة‬
‫على خطوي التجارة العالمية بوسط الشام‪ ،‬والمتجه صوب شرقى البحر المتوسط على نحو سيؤدى‬
‫– فى حالة ذلك‪ -‬إلى إمداد الخزانة الصليبية بأموال يائلة كانت فى أمس الحاجة إليها لتعويق فاقد‬

                                                                            ‫الإنفاق العسكرى‪.‬‬
‫ثالثاو من المفتر فى حالة نجام الغزاة ضم دمشل‪ ،‬توجههم بعد ذلك صوب حلب عاصمة‬
‫شمالى بلاد الشام‪ ،‬المزدهرة تجاريا‪ ،‬وبالتالى القضاء على الخط الدفاعى الاستراتيجى حلب‪-‬‬

                                             ‫الموصل؛ وهو المقابل لخط الرها‪-‬أنطاكية الصليبى‪.‬‬
‫رابعاو إعتقد الصليبيون أن إخضاع دمشل سيؤدى بالضرورى إلى تحقيل إنجاز دعائى بارز‬
‫يرفع من شأن المشروع الصليبى فى الغرب الأوروبى‪ ،‬على نحو سيؤدى – حتما‪ -‬إلى تدفل‬
‫المتطوعين والحجاج إلى فلسطين بصورة تدعم الكيان الصليبى‪ ،‬على نحو يشبه ما حدث فى أعقاب‬
‫نجام الحملة الأولى فى الإستيلاء على القد عام ‪1099‬م‪ ،‬وبالتالى يمكنهم المساهمة‪ -‬جزئيا‪ -‬فى‬
‫حل مشكلة نقص العنصر البشرى‪ ،‬وهى المشكلة المزمنة التى أرقت الغزاة على مدى تاريخهم فى‬

                                                                              ‫بـلاد الشـامإ‪22‬ر‪.‬‬
‫على أية حال؛ وصل الصليبيون بجيشهم إلى بانيا إالداخليةر بالجولان‪ ،‬وعقدوا اجتماعا‬
‫مع عدد من أولئك العارفين بطبوغرافية المنطقة‪ ،‬وأدركوا أن أفضل يريقة لإخضاعها تتمثل فى‬
‫الإستيلاء على منطقة البساتين‪ ،‬التى أحايتها من أغلب الجهـاتإ‪23‬ر؛ وتابع الصليبيون سيرهم حتى‬

                                                  ‫وصلوا إلى قرية داريا فى ‪ 23‬يوليو ‪1148‬م‪.‬‬
‫ولا نغفل هنا؛ الإشارة إلى أن الملك بلدوين الثالث وقواته كان فى المقدمة‪ ،‬نظرا لمعرفته‬

             ‫المنطقة‪ ،‬ومن بعده جاء لويس السابع وقواته‪ ،‬ثم الأمبرايور كونراد الثالث وقواتهإ‪24‬ر‪.‬‬
‫وقد بلء الغزاة المزة يوم السبت ‪ 24‬يوليو ‪1148‬م‪ ،‬وحاولوا الوصول إلى نهر بردى‪ ،‬وهو‬

                                              ‫المرجح‪ ،‬نظرا لكونه النهر الرئيسى والأغزرإ‪25‬ر‪.‬‬
‫ويبدو أن معركة حدثت يوم السبت ‪ 24‬يوليو ‪1148‬م‪ ،‬حيث خرج قيادتان سياسيتان هما‬
‫معين الدين أمز‪ ،‬ومجيد الدين أبل‪ ،‬على رأ جيش كبير من أهل دمشل‪ ،‬وكان من بينه الفندلاوى‬
‫والحلحولى وأتباعهما؛ وقد استشهد من المسلمين مائتين‪ ،‬وذلك فى منطقة اليزب إوهو اسم قديم‬
‫لمنتزه فى موضع حى أبو رمانة والمالكى بين الربوة ودمشل شمالى يريل بيروتر‪ .‬ومن بينـهم‬

                                                                       ‫العلمـان المذكورانإ‪26‬ر‪.‬‬
‫ولا ريب فى أن تلك المقاومة الشعبية من جانب أهل دمشل‪ ،‬حولت مسار الأحداث‪ ،‬إذ أدرك‬
‫الغزاة أن عاصمة بلاد الشام التاريخية ليست لقمة سائغة لكل يامع غاصب؛ وقد قام الدمشقية بقطع‬
‫الأشجار ووضعها لتعيل تقدم الغزاة‪ ،‬كما حدثت اتصالات دبلوماسية بين القيادات السياسية الدمشقية‬
‫والصليبيين المحليين للتفرقة بينهم‪ ،‬وبين الصليبيين الأوروبيين؛ واتجه الغزاة إلى نقل معسكرهم إلى‬
‫منطقة أخرى مكشوفة؛ إلا أن ذلك كان قرارا خايئا‪ ،‬كما أن الدماشقة سارعوا بمطالبة النجدة من‬

                                                                  ‫نور الدين محمود‪ ،‬سيد حلب‪.‬‬
‫وأمام كافة تلك الإعتبارات‪ ،‬أخفقت تلك الحملة الصليبية التى شارك فيها كبار ملوك‬

                                                                             ‫وأيايرة أوروبا‪.‬‬
‫ومن المهم هنا‪ ،‬إبراز ظروف استشهاد العلمين الشعبيين الفندلاوى والحلحولى؛ إذ تذكر‬
‫المصادر أن معين الدين أنر‪ ،‬رأى الفندلاوى‪ ،‬فطلب منه ألا يشترك فى القتال نظرا لتقدمه فى العمر‪،‬‬
‫لكنه رد عليه قائلا ما معناه أن الله اشترىإ‪27‬ر‪ ،‬ويقصد قوله تعالىو "إن الله اشترى من المؤمنين‬
‫أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة"‪ ،‬وعكس ذلك الرفق الإصرار على المشاركة؛ ومن الواضح أن‬

                                      ‫‪24‬‬
   20   21   22   23   24   25   26   27   28   29   30