Page 22 - كتاب تأبين حسنين ربيع
P. 22

‫الفندلاوي والحلحولي (ت ‪1148‬م)‬
‫بطلان شعبيان من عصر الحروب الصليبية‬

‫أ‪.‬د‪ .‬محمد مؤنس عوض‬

‫أستاذ تاريخ العصور الوسطي‬
‫كلية الآداب جامعة عين شمس‬

‫يتناول هذا البحث بالدراسة أمر اثنين من الابطال الشعبيين فى بلاد الشام عصر الحروب‬
‫الصليبية‪ ،‬وتحديدا خلال القرن الثانى عشر م‪ ،.‬فى صورة الفندلاوى والحلحولى‪ ،‬ويتعر‬
‫لصعوبات الدراسة‪ ،‬ثم ما ذكرته المصادر التاريخية عن واقعة استشهادهما‪ ،‬ومن بعد ذلك النتائج‬
‫الختامية التى أمكن التوصل إليها من خلال تلك المعالجة‪ .‬والواقع أن الباحث فى هذا الموضوع‬
‫يواجه مشكلة واضحة المعالم فى صورة قلة‪ ،‬إن لم تكن ندرة الإشارات المصدرية فى المصادر‬
‫العربية‪ ،‬إن لم يكن تكراريتها‪ ،‬إذ يلاح أن المؤرخين المعاصرين لتلك الأحداث‪ ،‬وهما ابن‬
‫القلانسى إت ‪1160‬مر وابن عساكر إت ‪1176‬مر‪ ،‬لم يوردا فى كتابيهما ذيل تاريخ دمشل‪ ،‬وتاريخ‬
‫مدينة دمشل سوى بضعة أسطر قليلة عن العلمين المذكورين‪ ،‬كذلك وردت إشارات من مصادر‬
‫تاريخية تالية للقرن الثانى عشر م فى صورة ما ألفه أبو شامه المقدسى إت ‪1267‬مر‪ ،‬وابن خلكان‬
‫إت ‪ 1282‬مر‪ ،‬والذهبى إت ‪1348‬مر‪ ،‬وكل أضاف إضافات يسيرة للغاية لا تشفى تحليل الباحث‬
‫المتله لمزيد من المعلومات عن واقعة محورية ومهمة ذات بعد شعبى فى تاريخ الصراع‬
                                                                         ‫الإسلامى‪ -‬الصليبى‪.‬‬
‫ولا تعليل للوضع السابل إلا من خلال إدراكنا لحقيقة جلية تتمثل فى أن المؤرخين المسلمين‬
‫المعاصرين لمرحلة الصراع بين الشرق الإسلامى والغرب الأوروبى الكاثوليكى‪ ،‬خصصوا‬
‫مؤلفاتهم لتناول الأحداث السياسية والحربية الطابع مثلما نجد ذلك فى كتب الحوليات وما أكثرها؛‬
‫كما أن منهم من خصص كتبا لقادة الجهاد الإسلامى مثل صلام الدين الأيوبى إت ‪1193‬مر‪،‬‬
‫والظاهر بيبر إت ‪1276‬مر مثلما فعل بهاء الدين بن شداد إت ‪1238‬مر فى النوادر السلطانية‬
‫والمحاسن اليوسفية‪ ،‬وابن عبد الظاهر إت ‪1293‬مر فى كتابه الرو الزاهر فى سيرة الملك‬
‫الظاهر؛ على حين نجد الأبطال الشعبيين الذين لم يعملوا فى مجال السياسة‪ ،‬لم يحظوا بذات القدر من‬
‫الاهتمام‪ ،‬وهو أمر متوقع بطبيعة الحال من خلال تتبع تطور الكتابة التاريخية الإسلامية ذاتها‪،‬‬
                         ‫والانتماءات الطبقية‪ ،‬والارتبايات الرسمية للمؤرخين المسلمين أنفسهم‪.‬‬
‫ومن المهم هنا الإتجاه إلى كتب الوفيات والطبقات والتراجم من أجل تعويضنا النقص فى‬
              ‫كتب الحوليات‪ ،‬إلا أنها – هى الأخرى‪ -‬لا تقدم لنا إشارات ضافية عن الرجلين‪.‬‬
‫وبصفة عامة‪ ،‬وكنتيجة للوضع السابل‪ ،‬هناك العديد من الفجوات والتساىلات التى تثار فى‬
‫شأن واقعة استشهادهما‪ ،‬وبدون الافترا واتباع المنهج التحليلى‪ ،‬ليس فى مقدور الباحث التوصل‬
                                                                         ‫إلى نتائج علمية حقيقية وراء بحثه‪.‬‬
‫أض إلى ذلك‪ ،‬أن المصادر التاريخية السالفة الذكر لا تفصح لنا عن تطور صورة البطلين‬
‫المذكورين فى الوجدان الشعبى على نحو يجعل الباحث يحاول استنتاج وتحليل الشذرات المتناثرة‬
                                                                         ‫ليعالج الفجوات المصدرية الحادثة المذكورة‪.‬‬
‫مهما يكن من أمر‪ ،‬إندلعت شرارة الحرب العالمية فى العصور الوسطى ما عرف بالحروب‬
‫د‪7‬ع‪2‬وةن اولفبامببارأوعرابمان‪5‬ال‪9‬ثان‪10‬ىمإ‪1II‬ر‪an،‬و‪rb‬كا‪U‬نإ‪9‬ظا‪8‬ه‪0‬ر‪1‬ها‪-‬‬  ‫إثر‬  ‫الصليبية ‪ ،Crusades, Croisades, Kreuzzuge‬على‬
                                                                    ‫فى‬   ‫‪1099‬مر فى مجمع كليرمونت ‪ Clermont‬بفرنسا‬
‫الدافع الدينى واسترداد الأماكن المقدسة لدى المسيحيين فى فلسطين‪ ،‬وفى الواقع التاريخى وجدت‬
                         ‫عدة دوافع محورية واقتصادية وسياسية واجتماعية حركتهاإ‪2‬ر‪.‬‬
‫وقد تمكن الغزاة من تكوين إمارات لهم فى بلاد الشام وأعالى الفرات فى صورة الرها‬
‫وجاء ذلك من‬   ‫‪،Tripolis‬‬  ‫‪ ،Jerusalem‬ويرابلس‬                              ‫‪ ،Edessa‬وأنطاكية ‪ ،Antioch‬ومملكة بيت المقد‬
  ‫‪1099‬م إ‪3‬ر‪.‬‬  ‫‪ 25‬يوليو‬   ‫بيت المقد الشهيرة ‪-15‬‬                           ‫خلال تاريخ مخضب بالدماء من مظاهره مذبحة‬
‫وقد تأكد للدارسين أنهم أمام حركة الإستعمار إأى الإستدمارر الأوروبى فى العصور‬
‫الوسطى؛ وأن كيانات أوروبية مسيحية كاثوليكية تم غرسها قهرا على الأر المسلمة‪ ،‬وتمكن‬
‫الغزاة من تحقيل ذلك الأمر خلال أعوام قليلة من خلال كفاءتهم الحربية والتشرذم السياسى الذى‬
‫كان عليه المسلمون وتصارعهم المذهبى والطائفى والعرقى‪ ،‬الذى جعل من بلاد الشام وأعالى‬

                                                                    ‫‪21‬‬
   17   18   19   20   21   22   23   24   25   26   27