Page 23 - كتاب تأبين حسنين ربيع
P. 23

‫الفرات منطقة جذب لقوى سياسية خارجية اغتنمت لفرصة على حساب أهلها الأصليين‪ ،‬فالتقت‬
                                                                  ‫مؤامرة الداخل والخارج معا‪.‬‬

‫وقد قامت حركة الجهاد الإسلامى بدورها على نحو متدرج من خلال فعاليات شعبية‬
‫ومنظمة بقيادة عدد من القيادات نذكر منهم‪ ،‬كربوغاإ‪1101 -1095‬مر‪ ،‬وجكرمش إ‪-1101‬‬
‫‪1106‬مر‪ ،‬وجاولى سقاوة إ‪1108 -1106‬مر‪ ،‬ومودود بن التونتكين إ‪1113 -1108‬مر‪ ،‬وأقسنقر‬
‫إ‪1115 -114‬م‪1126 -1121 ،‬مر وصولا إلى عماد الدين زنكى إ‪1146 -1127‬مر‪ ،‬والذى تمكن‬
‫المسلمون بقيادته من تحقيل الإنجاز الأكبر خلال النص الأول من القرن ‪12‬م فى صورة إسقاي‬
‫إمارة الرها الصليبية‪ ،‬وهى أولى الإمارات التى أقامها الغزاة فى أعالى الفرات‪ ،‬وجاء سقويها‬
‫كنتاج يبيعى لتعاون عوامل السقوي الداخلية‪ ،‬وكذلك الخارجية؛ إذ أن السقوي فى التاريخ يبدأ دائما‬

              ‫من الداخل‪ ،‬وتعطى العوامل الخارجية الشكل النهائى له‪ ،‬وحدث ذلك عام ‪1144‬مإ‪4‬ر‪.‬‬
‫والواقع أن ذلك الحدث التاريخى البارز عكس عدة دلالات‪ ،‬منها أن حركة الجهاد الإسلامى‬
‫قد بلغت مرحلة النضج والفعالية التاريخية‪ ،‬إذ صارت قادرة على إسقاي إمارة صليبية عدت بمثابة‬
‫رأ البلطة الصليبية التى تركز ذراعها فى الساحل الشامى‪ ،‬وهو الرئة التى تتنفس من خلالها‬
‫الغزاة وربطهم بالوين الأم فى الغرب الأوروبى‪ ،‬كما أنها مثلت محطة إنذار مبكر أنذرت شقيقاتها‬

                               ‫الصليبيات إلى الغرب منها بأية تحركات إسلامية قادمة من الشرق‪.‬‬
‫ومن المهم هنا الإقرار بأن ذلك الإنجاز لم يحدث إلا كتطور تاريخى يبيعى لمرحلة سابقة‬
‫بدأت من مطلع الفرن ‪12‬م‪ ،‬كما أن انتصار ‪1144‬م لا يرتكز حول أتابك الموصل عماد الدين زنكى‬
‫"كبطل فرد"‪ ،‬بل لا بد هنا من إبراز دور "البطل الشعب" الذى أفرزه أصلا حتى لا تقع فى أسر‬
‫كاريزما البطل الفرد على نحو يتعار مع أل باء الموضوعية التاريخية الواجبة والملزمة؛‬
‫والواقع أن دراسة تاريخ الحروب الصليبية دون بعدها الشعبى سواء لدى الغرب الأوروبى‪ -‬الذى قام‬
‫بالعدوان على الشرق‪ -‬مثل التحدى التاريخى له‪ .‬وكذلك الشرق الإسلامى الذى تعر لذلك العدوان‬
‫وقدم استجابته التاريخية‪ ،‬يجعلنا لا ندرك حقيقة تلك الظاهرة الفريدة فى أمر العلاقات بين الشرق‬

                                                                ‫والغرب فى العصور الوسطى‪.‬‬
‫ويوال ذلك العصر كان البعد الشعبى واضحا فى قضية الصراع مع الصليبيين‪ ،‬وفى هذا‬
‫الصدد نلاح أن حركة الجهاد الإسلامى استقطبت عناصر مسلحة من خارج النطاق الجغرافى لبلاد‬
‫الشام فى صورة المغاربة الذين شاركوا بفعالية واضحة على نحو أشار إليه الرحالة الأندلسى ابن‬
‫جبير إت ‪1217‬مر فى رحلته الشهيرة على نحو عكس أن تلك الحركة لم تكن مشرقية الطابع‬

                   ‫فحسب‪ ،‬بل امتدت إلى أقصى حدود العالم الإسلامى غربا‪ ،‬مما عكس شموليتها‪.‬‬
‫وقد وجدت عدة دوافع‪ ،‬دفعت بالمغاربة للقدوم إلى بلاد الشام‪ ،‬إذ أن هناك الجانب الدينى فى‬
‫صورة القيام برحلة الحج إلى المحارم الإسلامية المقدسة بالحجاز‪ ،‬ثم التوجه إلى بلاد الشام‬
‫والإستقرار بها للمشاركة فى أمر الجهاد بصورة فعلية‪ ،‬كذلك هناك غص العمل المتعددة التى‬
‫توافرت لهم على نحو أقر به الرحالة سال الذكر‪ ،‬وقد قام بدعوة بنى تومه للقدوم إلى هناك‪ ،‬خاصة‬
‫أن أهل بلاد الشام أحسنوا معاملة المغاربةإ‪5‬ر‪ ،‬كما لا نغفل الرحلة لطلب العلم‪ ،‬وكذلك تدريسه على‬
‫نحو جعل الموافد الشامية الكبرى مثل دمشل‪ ،‬وحلب وغيرها قبلة لمقدم الطلاب والعلماء المغاربة؛‬
‫وإذا أضفنا إلى ذلك كله مجاورة الشام لمصر جنوبا‪ ،‬والعراق شرقا‪ ،‬أدركنا أن عبقرية الموقع‬

                                      ‫الجغرافى لها كان من عناصر الجذب المغربى للقدوم إليها‪.‬‬
‫كما لا نغفل عدم وجود حدود سياسية فاصلة تخترق أرجاء العالم الإسلامى فى العصور‬
‫الوسطى – وهو عكس واقعنا الحالى المرير‪ -‬على نحو أدى إلى سهخولة إنتقال الأفراد على نطاق‬
‫جغرافى بالء الإتساع بين ثلاث قارات‪ ،‬ولا ريب فى أن ذلك كله انعكس إيجابيات على مقدم المغرب‬

                                                                 ‫إلى المشرق دزنما كبير عناء‪.‬‬
‫ومن خلال ذلك‪ ،‬يمكن إدراك وجود شخصية مثل يوس بن دونا بن عيسى‪ ،‬المعروف‬

  ‫بأبو الحجاج الفندلاوى‪ ،‬وهو فقيه مالكى المذهب قدم إلى بلاد الشام‪ ،‬ونعرف أنه سكن بانيا‬
‫إالداخليةرإ‪6‬ر فى مرتفعات الجولان‪ ،‬وانتقل من بعدها إلى دمشل‪ ،‬حيث قام بتدريس الفقه المالكى‬
‫بهاإ‪7‬ر‪ ،‬وبالتالى‪ ،‬كانت له قاعدة من يلابه ومريديه؛ ويلاح أنه انتسب إلى "منذلاو"‪ ،‬وقد حددها‬
‫ياقوت بأنها موضـع بالمغـربإ‪8‬ر‪ ،‬دون أن يفصل لنا أمره؛ ومن المرجح أن قوله موضع يعكس أنه‬
‫مكان لا يوص بمدينة أو حتى بلدة‪ ،‬ومن المفتر وقوعه فى المغرب الأقصى نظرا لتوارد إسم‬

                                               ‫دونا هناكن وقد يكون من مضارب قبيلة زناته‪.‬‬
‫أما العلم الثانى فى بحثنا‪ ،‬فهو الحلحول‪ ،‬وهو عبد الرحمن بن عبد الله الحلحولى الحلبى‪،‬‬
‫وهو ينتسب إلى قرية حلحول‪ ،‬وقد بعدت ‪ 7‬كم عن مدينة الخليل باتجاه الشمال‪ ،‬على يريل الخليل‪-‬‬

                                      ‫‪22‬‬
   18   19   20   21   22   23   24   25   26   27   28