ظهر القرامطة في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري وسيطروا على الأحساء والقطيف وقاموا بغارات مدمرة عمت قلب عالم الإسلام الذي يشمل جزيرة العرب والعراق والشام.
ومن أبرز غاراتهم المدمرة عدوانهم الصارخ على مكة المكرمة في حج عام ٣١٧ هجرية. ففي يوم الأثنين – يوم التروية أو اليوم الذي قبله – اقتحم زعيم القرامطة أبو طاهر سليمان بن أبي ربيعة الحسن القرمطي مكة ، ومعه تسعمائة مقاتل من أتباعه ، فدخل المسجد الحرام ، ووضع السيف في الحجاج فقتلهم ونهبهم ، وهتك حرمة البيت العتيق ، وقتل الطائفين به ، وقتل في المسجد الحرام ألوف من الرجال والنساء وهم متعلقون بالكعبة ، والقى بالكثير من القتلى في بئر زمزم حتى ملأها ، وفرش أرض الحرم بجثث القتلى ، ثم خلع باب الكعبة ، ووقف يلعب بسيفه على بابها وينشد ويقول :
أنا بالله وبالله أنا
يخلق الخلق وأفنيهم أنا.
وأقتلع أصحابه الحجر الأسود ، وقرر أن يأخذه معه إلى بلاده ” هجر _ التي كانت تشمل الأحساء والقطيف – معتقداً أن الحجر الأسود مغناطيس القلوب الذي يجذب الناس إليه ، وكان ضمن القتلى أمير مكة وعدد من العلماء والمجاورين.
ونهب القرمطي أموال الناس وحُلي الكعبة وهتك أستارها ، وقسَّمَ كسوتها بين أصحابه ، وامر بقلع ميزاب الكعبة – وكان من الذهب الأبريز – فطلع رجل من أصحابه لقلع الميزاب فسقط من على ظهر الكعبة فوقع ميتاً. وأراد أخذ المقام فلم يظفر به لأن سدنة البيت أخفوه في بعض شعاب مكة. وقلع قبة زمزم ، وقتل في شعاب مكة وفجاجها من الحجاج ومن سكانها زهاء ثلاثين ألفاً. وسبى من النساء والأطفال مثل ذلك ، ونهب دور مكة. ومكث بمكة عدة أيام ، وخطب بها لعبد الله المهدي مؤسس الدولة العبيدية ، التي تُسَمى الفاطمية. التي كانت حينذاك في افريقية. ثم عاد القرمطي إلى بلاده ومعه الحجر الأسود وسائر الاسلاب والمنهوبات.
وظل الحجر الأسود عند القرامطة زهاء أثنين وعشرين سنة ، ثم قدموا به إلى مكة سنة ٣٣٩ هجرية ، فلما صار بفناء البيت أظهروه من سفط كان به ، وعلى الحجر ضباب من فضة قد عُمِلَت له بعد أن تصدع حينما قلعوه. وحضر سدنة البيت العتيق ، وكان مع القرامطة صانع معه جص ، فأُعيد الحجر الأسود إلى مكانه ، فرآه الناس وقبَّلوه واستلموه ، وقال زعيم القرامطة لما ردَّ الحجر الأسود إلى مكانه : ” أخذناه بقدرة الله ورددناه بمشيئته.
فهذا هو الطريق الذي يتطلع إليه خامنئي ، ويريد السير فيه ، تحت تحت شعار محاربة اليزيديين ، ويقصد بهم سائر المسلمين من غير طائفته.
وانظروا عن عدوان القرامطة على مكة المصادر التالي :
أخبار القرامطة : ص ٥٣ ، ١٠٩ ؛ مسكويه : تجارب الأمم ج ١ ص ٢٠١ ؛ ابن الجوزي : المنتظم ج ١٣ ص ٢٨١ – ٢٨٢ ؛ ابن الأثير : الكامل ج ٨ ص ٢٠٧ – ٢٠٨ ؛ المقريزي : اتعاظ الحنفا ج ١ ص ١٨٢ ؛ ابن فهد : إتحاف الورى ج ٢ ص ٣٧٤ – ٣٧٨ ؛ النويري : نهاية الأرب ج ٢٥ ص ٢٩٦ – ٢٩٧ ؛ القلقشندي : مآثر الأنافة ج ١ ص ١٧٩ ؛ النهروالي : كتاب الإعلام بأعلام بيت الله الحرام ج٣ ص ١٦٢ – ١٦٤.