انشغل المعتصم في بداية حكمه بمواجهة فتنة بابك الخرمي الذي أدرك عجزه عن الصمود أمام قوات المعتصم فاتصل بامبراطور الروم ثيوفيل ووعده باعتناق النصرانية والإنتما إليه إذا ساعده ، فطمع ثيوفيل سيما وان أرمينية وآذربيجان كانتا حينذاك من معاقل الخرمية ، فجاء ثيوفيل بقواته إلى أعالي الفرات واستولى على زبطرة وقتل الذكور من سكانها بعد ان سمل عيونهم وقطع أنوفهم وآذانهم ، وسبى نساءهم وأطفالهم.
ولما بلغ الخبر المعتصم استعظمه وكبُر لديه (وبلغه أن امرأة هاشمية صاحت وهي أسيرة في أيدي الروم : وامعتصماه ، فأجابها وهو على سريره : لبيك لبيك ، ونهض من ساعته وصاح في قصره النفير النفير ) كما قال ابن الأثير في تاريخه.
واخذ المعتصم في تجهيز جيشه لغزو الروم سيما وقد نجحت قواته في قتل بابك الخرمي وإخماد فتنته. واختار المعتصم امنع واكبر مدن الروم لتكون هدفه وهي عمورية مسقط رأس امبرطور الروم ثيوفيل وأسرته. وتوغل بجيوشه في قلب بلاد الروم والتقى بقوات ثيوفيل في ٢٥ شعبان سنة ٢٢٣ هجرية وأنزل بالروم هزيمة ساحقة وتمزقت قواتهم ، ثم سار الجيش الإسلامي الى أنقرة واستولى عليها بدون مقاومة. وارسل ثيوفيل الى المعتصم يطلب منه الصفح والعفو وتعهد بإعادة بناء زبطرة واطلاق سراح الاسرى من المسلمين ، لكن المعتصم رفض توسلات ثيوفيل وشيع رسله بالاحتقار والسخرية. عندئذ أدرك ثيوفيل أن الدمار ينتظر مدينته المفضلة عمورية.
وبعد تدمير انقره قاد المعتصم جيشه صوب عمورية فوصلها وفرض عليها حصاراً شديداً استمر اسبوعين ، ثم استسلمت في رمضان سنة ٢٢٣ هجرية وتم تدميرها انتقاماً لما فعله ثيوفيل بزبطرة ، ووقع في أيدي المسلمين عدداً كبيراً من الأسرى مع غنائم وفيرة. وعاد المعتصم منصوراً مظفراً.
وفي هذه الغزوة وما احرزه المعتصم من انتصار مدح ابو تمام الخليفة وجيشه بالقصيدة المشهورة التي مطلعها :
السيف أصدق أنباءً من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب.
وهي من غرر الشعر العربي وتقع في واحد سبعين بيتاً.
أهم المصادر والمراجع : تاريخ الطبري ؛ تاريخ ابن الأثير ؛ السيد الباز العريني ، الدولة البيزنطية ؛ حسنين ربيع ، دراسات في تاريخ الدولة البيزنطية ؛ فازلييف ، العرب والروم ؛ ديوان أبي تمام.
كتبه : أ.د/علي بن محمد عودة الغامدي.