فسَّر الباحثون الغربيون الحروب الصليبية ” بأنها مجرد استمرار لرحلات الحج المسيحي إلى الأراضي المقدسة في بلاد الشام التي بدأت منذ وقت مبكر في تاريخ المسيحية ثم تحول الحج السلمي مع مرور الزمن إلى حج مسلح ” وهو ما يُسمى بالحروب الصليبية ، ومن أشهر من قال بهذا الرأي ستيفن رنسيمان في كتابه الكبير عن تاريخ الحروب الصليبية – في ثلاثة مجلدات – . وقد اقتفى اثره كثير من الباحثين الغربيين الذين رددوا رأية بلا فحص ولا نقد.
وتبعهم العديد من الباحثين العرب الذي كرروا هذا القول.
وغاب عن هؤلاء جميعاً الحقد والكره الذي تراكم في نفوس جماهير ونُخب الغرب عبر القرون بفعل الكتابات المسمومة والمُشوِّهة لحقائق الإسلام وتاريخه ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، التي صاغها النصارى الشرقيون مثل كتابات القبطي يوحنا النقيوسي عن المسلمين ، ونبوءة ميثوديوس ، والرسالة المنسوبة لعبد المسيح الكندي ، وكتابات الكُتَّاب الروم مثل يوحنا الدمشقي ، وتلميذه أبو قرة ، وصفرونيوس ، ومكسيموس المعترف ، وجرمانوس ، وثيوفانس ونيقتاس البيزنطي وغيرهم والتي تُرجِمَ كثير منها إلى اللاتينية من جانب أمين المكتبة البابوية في روما انستاسيوس في القرن الثالث الهجري ، إضافة إلى الكتابات الغربية المبكرة المعادية للإسلام مثل كتابات بيدا ، و وليبالد ، وباسكاسيه ، والسيرة الأسبانية عن محمد صلى الله عليه وسلم التي صاغها رهبان في دير ليري في بمبلونة في شمال الأندلس ، والتي قدَّمت صورة معكوسة ومقلوبة تماماً لسيرة وصفات النبي صلى الله عليه وسلم ، فضلاً عن كتابات سبرايندو وتلميذيه أُولوخيو وألفارو ، التي اثارت ما عُرِف في تاريخ الأندلس بحركة ” شهداء قرطبة ” والتي حوكِمَ فيها وأُعْدَمَ خمسين شخصاً من الرهبان الذين كانوا يسبون النبي صلى الله عليه علناً ويصفونه بأقبح الصفات ، إما في الأسواق أو في مساجد المسلمين أو حتى في مجلس القضاء الذي كانوا يُحَاكمون فيه ، وكذلك أنشودة – أو ملحمة رولاند التي صورت شارلمان كأول محارب صليبي ضد المسلمين ، وما ورد فيها من صفات قبيحة كاذبة للمسلمين كوصفهم بالوثنيين الشهوانيين ، الذي يعبدون ماهوند – ويقصدون بكلمة ماهوند ، محمد صلى الله عليه وسلم ، وهي اللفظة التي استخدمها الهندي المرتد سلمان رشدي في روايته الوضيعة ” آيات شيطانية – . وقد انتشرت تلك الكتابات المسيئة وغيرها في الغرب ، ثم قدَّم اليهودي المتنصر الأسباني بدرو الفونسو رسالة الكندي في حواراته وكتاباته للغرب.
وهكذا تراكمت الكتابات المسيئة للإسلام وزرعت في نفوس ووجدان الغربيين حقداً وكرهاً للإسلام ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولكل ما يمت لهما بصلة ، ثم انفجرت بركاناً عنيفاً على شكل حروب متمادية هي ” الحروب الصليبية “.
وهذا هو التفسير الصحيح والأمثل الذي أدى إلى قيام الحروب الصليبية ، وليس تطور رحلات الحج التي زعمها ستيفن رنسيمان ومريديه.
كتبه . أ . د / علي بن محمد عودة الغامدي.