انتقل أستاذي القدير الأستاذ الدكتور حسنين محمد ربيع الى رحمة الله تعالى في يوم الثلاثاء الثاني من جمادى الاخرة سنة ١٤٤٠ هجرية الموافق للثامن من يناير ٢٠١٩ م. أسأل الله جل وعلا ان يتغمده بواسع رحمته ويسكنه الفردوس الأعلى.
وهذه نبذة كتبتها عنه. ألأستاذ الدكتور حسنين محمد ربيع- رحمه الله- كما عرفته.
كانت معرفتي الأولى بأستاذي الرائع الدكتور حسنين محمد ربيع سنة ١٣٩٨هجرية/١٩٧٨م عندما عُيًنتُ معيدا بقسم التاريخ بكلية الشريعة بمكة التي كانت حينذاك تابعة لجامعة الملك عبدالعزيز . وقد اخبرنا عميد الكلية ورئيس قسم التاريخ أنهم تعاقدوا مع استاذ متميز في التاريخ من جامعة القاهرة هو الدكتور حسنين محمد ربيع. والتقينا به في أول محاضرة في مادة منهج البحث التاريخي .في السنة المنهجية ، وكنا خمسة طلاب . واستمر في محاضراته لنا في هذه المادة طوال العام الدراسي وكان فعلا استاذا متميزا علمنا بطريقة علمية بديعة خطوات البحث العلمي. وكان على خلق رفيع وتعامل قل نظيره فلم يتضايق البتة من أي سؤال ولم يغضب قط من أي طالب منا.
وفي آخر العام اخترته مشرفا لي وبعد مناقشات وتوجيهات صائبة منه لي اتفقنا على أن يكون موضوع رسالتي للماجستير بعنوان ( بلاد الشام قبيل الغزو الصليبي ٤٦٣-٤٩٠هجرية).
وكان الطلاب في ذلك الحين يواجهون مشكلات عويصة بسبب عدم توفر المصادر والمراجع لقلة المكتبات وعدم توفر الفهارس وضعف وسائل الاتصال.
وأخبرني استاذي الدكتور حسنين ربيع -رحمه الله – بأنه يُقام في القاهرة في حي الحسين في رمضان من كل عام معرض للكتب ونصحني بالسفر والافادة من هذا المعرض. ونفذت نصيحة أستاذي وقضيت شهر رمضان سنة ١٣٩٩ هجرية في القاهرة وتمكنت فعلا من شراء معظم مصادر ومراجع رسالتي.
وكان الدكتور حسنين ربيع -رحمه الله -يسكن حينها في شقته في مصر الجديدة. واصر عليّ عدة مرات على الإفطار معه في بيته فوجدت منه كرما جما قل نظيره وكنت أخرج من عنده وانا مصاب بالتخمة – ولا أبالغ في هذا القول- من اصراره على أن آكل من كل الاطباق التي اعدتها زوجته – جبر الله مصابها وجزاها خير الجزاء- وهي أطباق تشبع عشرات الرجال. ولكن ماذا أقول: أنه الكرم الحاتمي ولا شيء غيره. وقد استضافني قسرا في عيد الفطر ١٣٩٩ هجرية
فكان الكرم نفسه.
وقد كثُرت الكتب التي اشتريتها وقد وصل وزنها الى نحو نصف طن وهي مكلفة بالطائرة فنصحني استاذي باتخاذ طريق البحر من السويس الى جدة فاخذت بنصيحته وعدت عن طريق البحر.
وبدأت في جمع مادة رسالتي العلمية في بطاقات تحت اشراف أستاذي الدكتور حسنين ربيع الذي كان يقرأ كل بطاقة ويكتب توجيهاته بالقلم الأحمر
وبعد الانتهاء من جمع المادة العلمية بدأت في الكتابة وعلى المنهج العلمي نفسه . وقد استفدت كثيرا من توجيهاته -رحمه الله- .
وبعد الانتهاء من الرسالة وكتابتها أراد استاذي رحمه الله افادتي أكثر واكثر بأن يكون احد المناقشين لرسالتي هو الرائد الأستاذ الدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور رحمه الله الذي كان حينها في جامعة الكويت
ونوقشت رسالتي وأجيزت بتقدير ممتاز سنة ١٤٠٢ هجرية/١٩٨٢م . وقد استفدت من ملاحظات وتوجيهات الدكتور سعيد عاشور الى اقصى حد وتحقق لي ما أراده لي استاذي حسنين ربيع -رحمه الله-.
وقد عاد الدكتور حسنين رحمه الله الى القاهرة في العام التالي ١٤٠٣هجرية/١٩٨٣م ليتقلد مناصب عديدة منها عميد كلية الأداب بجامعة القاهرة ونائب رئيس جامعة القاهرة ورئيس اتحاد المؤرخين العرب بالقاهرة وعضومجمع اللغة العربية بالقاهرة وعضو لجنة الترقيات بالجامعات المصرية وغيرها من المناصب.
لكن العلاقة بيننا لم تنقطع فكنا على تواصل دائم .
والمأزق الذي كنت أعانيه معه عندما أسافر الى القاهرة هو كرمه الفريد فيصر على دعوتي على مأدبة فاخرة تنم عن الكرم المتأصل في نفسه ، وإجباري على أكل كمية فوق طاقتي خصوصا بعد اصابتي بالسكر بعد سن الأربعين!!!
وقد انجز الدكتور حسنين ربيع رسالته للماجستير بعنوان (النظم المالية زمن الأيوبيين ) بجامعة القاهرة وحصلت على الامتياز مع التوصية بالطبع.
وابتعثته جامعة القاهرة الى جامعة لندن لدراسة الدكتوراة . ولم يسافر الا وله كتاب مطبوع
ورغم أن جامعة لندن عينت للدكتور حسنين مشرفا يهوديا مغرضا على رسالته هو المستشرق برنارد لويس إلا أن الدكتور حسنين فوت عليه فرصة التأثير عليه بان اختار موضوعا ذا صلة برسالته للماجستير فاختار موضوعا يتعلق بالنظام الاقتصادي زمن المماليك بعيدا عن تاريخ الاسلام وعقائده ورموزه وحصلت رسالته للدكتوراة من جامعة لندن على مرتبة الشرف مع التوصية بالطبع.
ويعتبر الدكتور حسنين من رواد دراسة التاريخ الاقتصادي برسالتيه في الماجستير والدكتوراة . وهو اول باحث عربي استخدم وثائق الجنيزة العبرية في دراسته.
ولن اتعرض هنا لذكر مؤلفات وتحقيقات وبحوث الدكتور حسنين ربيع الاخرى التي اتوقع ان يحصرها بعض تلاميذه.
والدكتور حسنين ربيع شديد الورع والتدين -رحمه الله -فكان خلال اقامته في مكة يذهب ليصلي في الحرم كل يوم تقريبا . وحج بعد عودته الى مصر مرات عديدة . ومن أعمال الخير التي قام بهافي قريته الاصلية التي تقع في الواحات الغربية أنه بنى فيها مسجدا على حسابه الخاص وأصر أهل قريته على تسميته ” جامع الدكتور حسنين ربيع ”
ومن أفضال الدكتور حسنين ربيع – رحمه الله – التي لا أنساها توفير مصادر غربية مهمة لي في دراسة العدوان الفكري الغربي على الاسلام وعلى رأسها كتاب المستشرق والمنصر صمويل زويمر عن ريموند لول
وكتاب المؤرخ البيزنطي نيكتاس خونياتس وغيرها.
حيث استطاع الدكتور حسنين ربيع بعلاقاته الجيدة تصويرها من بعض مكتبات الاديرة مثل دير الرهبان الدومنيكان ، والرهبان الفرنسيسكان.
رحم الله استاذنا الدكتور حسنين محمد ربيع وأسكنه فسيح جنته وجمعنا به في مستقر رحمته.
كتبه أ.د/علي محمد عودة الغامدي .مكة المكرمة.
انه الوفاء يا دكتور جزاك الله خيرا
وغفر الله ورحم الدكتور حسنين محمد ربيع
السلام عليكم،
شكرا جزيلا لحضرتك على المقال الوفي.
أريد أن أسأل: هل هناك صلة قرابة بين الدكتور حسنين ربيع والمؤرخ المصري صدقي ربيع؟ أعتذر أن كان السؤال بغير محله، ولكني أحاول البحث عن المؤرخ صدقي ربيع، وانقطع سبيل الوصول.
شكرا جزيلا!
لا توجد صلة قرابة بين الأثنين.
الله يرحمه ويغفر له ويسكنه فسيح جناته كنت طالب عنده في كلية الآداب بجامعة القاهرة وكان محمود السيرة غزير العلم جم الادب